خرقت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو بيروت الحصار السياسيّ الذي يتعرّض له لبنان بالتزامن مع الحصار العسكريّ، وإن غير المعلن من جانب إسرائيل، التي تدكّ مناطق مختلفة من الجنوب والبقاع وبعلبك والضاحية الجنوبية للعاصمة، وسط صمت دوليّ يترافق مع حالة من الرصد والترقّب لما ستنتهي إليه العمليات العسكرية، ولا سيّما بعد اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله.
لا يحمل الديبلوماسي الفرنسي في حقيبته جديداً يخرق فيه المشهد السياسي المأزوم، لكنّ رسالته السياسية الدافعة في اتجاه التزام لبنان ما ورد في المقترح الأميركي الفرنسي الصادر في نيويورك قبل أيام، معطوفة على تحديد الدعوة إلى انتخاب رئيس للبلاد، جاءت لتؤكّد أهمية أن يأخذ لبنان بالنصائح والتحذيرات الدولية، التي أظهرت الاعتداءات الإسرائيلية مدى جدّيتها وعدم أخذ لبنان بها، وهو ما أدّى إلى وقوع البلاد في المحظور.
بارو لم يلغِ زيارته لبنان كما كان متوقّعاً، بل جاءه وإنّما باختلاف في الأولويات، وهو الديبلوماسي الوحيد الذي أتى إلى لبنان في ظلّ الأوضاع الأمنية الاستثنائية فيه، وكانت الزيارة مقرّرة أساساً قبل أيام، وهدفها مواكبة الجهود الفرنسية الرامية إلى وضع المقترح الفرنسي - الأميركي لوقف النار حيّز التنفيذ، إضافة إلى تأكيد ضرورة أن يستغلّ لبنان الفرصة المتاحة في هذا المقترح لوقف التصعيد.
بدا واضحاً أنّ استهلال الزيارة بلقاء وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض هدف إلى تأكيد أولوية الملفّ الإنساني، في حين عكس استهلاله لقاءاته السياسية من بكركي حرصاً على تأكيد أولوية انتخاب رئيس للجمهورية. هذا الموضوع شكّل إلى جانب المقترح الأميركي- الفرنسي، الوحيد المطروح على الطاولة، محور الحركة السياسية على خطّ عين التينة-السرايا.
ومن باب زيارة المسؤول الفرنسي، تحرّك المشهد الداخلي الدافع في اتجاه الضغط من أجل وقف النار وفقاً لمندرجات المقترح المشار إليه. فمن مشاركة قائد الجيش العماد جوزف عون في جلسة مجلس الوزراء، ثمّ زيارته رئيس المجلس نبيه بري، وانتقال رئيس الحكومة إلى عين التينة، وما أعلنه أول من أمس وأوضحه أمس عقب لقائه بري حول تطبيق القرار الدولي ١٧٠١، واضح أنّ المسار الديبلوماسي الذي بدأ في نيويورك، يسلك طريقه في لبنان، ويقوده برّي وميقاتي، كلّ من موقعه إلى جانب قائد الجيش المعنيّ الأول بموضوع انتشار الجيش في الجنوب.
وبحسب المعلومات المتوافرة لـ"النهار"، وطبقاً لما أشارت إليه أمس، فإنّ آلية تطبيق القرار الدولي التي أعلن لبنان التزامها، تتمثّل في التزام وقف النار شرط تقيّد إسرائيل به، على أن يقوم لبنان في مرحلة ثانية بنشر الجيش في الجنوب إلى جانب القوة الدولية. وتوازياً، يدعو رئيس المجلس إلى جلسة لانتخاب رئيس حدّد ميقاتي بعد لقائه برّي مواصفاته بـ"التوافقيّ وغير المتحدّي".
ووفقاً للأجواء، فإنّ كلام ميقاتي يعكس المناخ الدوليّ الذي يشترط أيّ مساعدة للبنان بتنفيذ القرار ١٧٠١ وانتخاب رئيس يحظى بقبول المجتمع الدوليّ.