أحمد منتش
جزين "عروس الشلال" كانت منذ أكثر من قرن ولا تزال حتى يومنا هذا، مدينة للحياة والاصطياف والسياحة والفرح. موقعها الجغرافي الاستراتيجي جعل منها نقطة ارتكاز وهمزة وصل بين 5 مناطق لبنانية، منطقة صيدا من الجهة الغربية عبر طريق عام عبرا – مجدليون- لبعا – كفرفالوس – روم وعازور، ومنطقة الشوف من الجهة الشمالية عبر طريق عام عماطور – باتر ومنطقة إقليم الخروب من الجهة الشمالية – الغربية عبر طريق دير المخلص – بسري – أنان أو الميدان والحرف ودير مشمومة، ومنطقة الجنوب من الجهة الجنوبية والشرقية عبر طريق قرى إقليم التفاح أو طريق العيشية –عرمتى الريحان، ومنطقة البقاع من الجهة الشرقية والشمالية عبر طريق شتورة – القرعون – جب جنين – مشغرة – كفرحونة.
طبيعتها الجميلة وتضاريسها واراضيها الواسعة المكسوة بأشجار السنديان والسرو والصنوبر والملول والتفاح، وشلالالتها ومياه ينابيعها العذبة ومناخها المعتدل والبارد، بسبب ارتفاعها عن سطح البحر نحو 950 مترا، ومعالمها التاريخية الأثرية والتراثية وكنائسها ومزاراتها الدينية القديمة والحديثة، وفنادقها ومطاعمها الفخمة وسوقها التجاري القديم وتميزها بصناعة السيوف والخناجر وأداوت المطبخ من شوك ومعالق وسكاكين مطعمة ومرصعة بالذهب والعاج والصدف والعظام والمعادن، كل ذلك جعل من جزين ولا يزال مدينة اصطياف وسياحة بامتياز، كانت مزدهرة ونشطة وفي اوجها قبل الحرب العالمية الثانية ونكبة فلسطين في العام 1948، ولا تزال فنادقها القديمة والمهجورة التي تحمل أسماء فلسطين ومصر والاهرام شاهدة على انها كانت المكان الأفضل للمسؤولين ولرجال المال والاعمال من فلسطين ومصر ودول الخليج خصوصا في موسم الصيف، علما أن فنادق جديدة وحديثة أقيمت داخل المدينة وجوارها.
جزين بمنأى عن الأحداث والصراعات المحلية والخارجية
ومما ساهم في بقاء جزين مدينة اصطياف وسياحة يسودها الأمن والاستقرار، انها ظلت بمنأى عن الاحداث الأمنية الكبيرة، والصراعات المحلية والخارجية، خصوصا في فترة الحرب الأهلية الأليمة التي اندلعت في العام 1975 ومرحلة الوجود السوري العام 1976 والاجتياح الإسرائيلي العام 1982، كما تجنب أهالي جزين تجرع الكأس المرة التي ذاق مرارتها أهالي قرى شرق صيدا والعديد من قرى الشوف وإقليم الخروب الذين هُجّروا قسرا من بيوتهم ودمرت بيوتهم وممتلكاتهم اثر انسحاب القوات الإسرائيلية والميليشيات المتعاملة معها في نيسان العام 1985، وتحولت جزين في تلك الفترة الى ملجأ ومأوى لآلاف العائلات التي فرت من بيوتها وقراها في شرق صيدا وإقليم الخروب، كما شكل معبر باتر – جزين الشريان الحيوي والرئيسي لتنقلات أبناء الجنوب بين مدنهم وقراهم وبين العاصمة بيروت سيما عندما كان الإسرائيليون يعمدون الى اقفال جسر الاولي المدخل الشمالي لصيدا والجنوب، وأسهم في كل ذلك الانتماء الوطني الذي ظل زعماء جزين ورجالاتها السياسية والدينية والثقافية كما أبناؤها متمسكون به رغم غياب الدولة عنهم، وحافظوا في احلك الظروف على بقاء جسور التواصل والحوار مع الجوار في صيدا والشوف والجنوب، من دون أن ننسى الدور الكبير الذي قام به قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، من خلال ارساله موفدا خاصا الى جزين هو المونسنيور سيلستينو بوهيغاس.
دور المجالس البلدية
لا شك أن المجالس البلدية المتعاقبة، أولت كل اهتمام ورعاية لتنشيط حركة الاصطياف والسياحة التي تعتبر المورد الرئيسي الى جانب الزراعة والمنتوجات المحلية والمهن الحرفية لأبناء المدينة، وبعد غياب قسري بسبب تفشي وباء كورونا، أطلق رئيس بلدية جزين – عين مجدلين ورئيس اتحاد بلديات قضاء جزين خليل حرفوش في برنامج مهرجانات جزين السياحية لصيف 2022 بحضور وزير السياحة وليد نصار وفاعليات المدينة والجوار، وذلك من خلال لجنة المهرجانات التي اطلقها المجلس البلدي بالتعاون مع النوادي والجمعيات والمدارس وتأسيس مهرجان التراث الذي أطلق العام 2002 ليصبح تقليدا سنويا يتضمن معارض بيئية، ثقافية، حرفية، مؤونة جزينية، وحديقة للرسامين يشارك فيها الفنانون والرسامون فضلا عن تنظيم أمسيات فولكلورية وغنائية.
وقال حرفوش لـ"النهار": "جزين معروفة منذ أكثر من مئة عام انها مدينة اصطياف وسياحة على مدار السنة وخصوصا في فصل الصيف، ومنذ انتهاء الحرب وانسحاب الإسرائيليين من المنطقة عمل المجلس البلدي من أجل إعادة تموضع جزين كموقع سياحي أساسي في لبنان"، مشددا على أن جزين أصبحت اليوم جاهزة سياحيا من كل النواحي، ولدينا هيئة ناظمة للسياحة، وحاليا نعمل على تنظيم حملات إعلانية لتشجيع السائحين من لبنان ومن الخارج لزيارة المنطقة لتمضية فترة من الاستجمام والراحة في طبيعتها الخلابة والنقية والاطلاع على معالمها التاريخية والاثرية والتراثية.
الأسمر السياحة عامل منشط للاقتصاد الجزيني
واعتبر النائب سعيد الأسمر" أنَّ السياحة هي المتنفس الطبيعي والاوكسجين لمدينة جزين، وهي عامل منشط للاقتصاد الجزيني، ولا تقلّ أهمية عن العوامل البيئية والتربوية والصحية والصناعية والزراعية في جزين والتي تحتاج أيضا الى رعاية كما الشقّ السياحي لكن السياحة تبقى المحرّك الأساسي لتنشيط الاقتصاد الجزيني في الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها والمدخل الأساسي لإنعاش المنطقة لذلك نوليها الأهمية القصوى. وبُعيد انتخابنا اجتمعنا بالدرجة الاولى مع أصحاب المؤسسات السياحية واستمعنا الى هواجسهم وحاليا نعمل على مؤازرة هذه المؤسسات الخاصة بهدف تطوير القطاع السياحي في جزين ورفع مستوى السياحة فيها الى أعلى المراتب العالمية، وتحقيقا لهذه الغاية وفي مرحلة أولى إعتمدنا خطة ترويجية تُعطي نتائج سريعة، فتواصلنا مع مجموعة من المؤسسات والمؤثرين على مستوى "السوشال ميديا" بهدف الترويج للسياحة في جزين ومنطقتها، ودعوناهم لزيارة المنطقة وتصويرها مما يُسهم بإنعاش الموسم السياحي الصيفي
أمّا مرحلة الدعم الثانية فستكون عبر مجموعة من المشاريع التي يجري الإعداد لها بالتنسيق مع الجهات المانحة حيث نقوم بوضع الدراسات الضرورية لتوفير الدعم للمؤسسات السياحية وتطوير السياحة بشكل عام في جزين ومنطقتها.
الناشط البيئي في جزين كريم سليمان كنعان، اعتبر "ان القطاع السياحي في جزين يجاهد من أجل البقاء والاستمرار في ظل غياب أي دعم او تشجيع من الدولة.
وانتقد تعاطي المجلس البلدي من دون أي مساواة بين المؤسسات السياحية والمطاعم تجاهلت البعض ودعمت أخرى تخصها، ورأى ان الحملات التسويقية للسياحة هي نفسها تتكرر وبتمويل مختلف من جهات خارجية والدراسات نفسها والمستفيدين أيضا، ودعا كنعان للإفادة من معالم أخرى وتسويقها على سبيل المثال إعادة فتح المغاور الاثرية والتاريخية وإقامة أنشطة رياضية وترفيهية تميز جزين عن غيرها من المناطق اللبنانية، مشددا على ضرورة الحرص على النظافة وعدم إبقاء أي نفايات في الشوارع ومراقبة اعمال فرز النفايات من المصدر ومعالجة بعض مشاكل مياه الصرف الصحي في السواقي واسفل وادي الشلال.