مهدي كريّم
بعد ليل مليء بأصوات الانفجارات المتتالية، وبالتزامن مع مع ما أوردته مصادر خاصة لـ "النهار" عن سقوط ضحية من "حماس"، ليست من سكان المخيم، استفاق أبناء مخيم برج الشمالي للاجئين الفلسيطينين على الأضرار التي خلفتها هذه الانفجارات، وبات حديث الأهالي يتركز على أسباب الانفجار والمواد المنفجرة. فالمخيم الذي لا يشهد أي اشتباكات او خلافات أو مواجهة أمنية عادةً، بات اليوم محطاً للأنظار، وبات الدخول إليه أمراً "ليس سهلاً" نظراً إلى حساسية الموضوع.
مكان الانفجار
جولة للزميل أحمد منتش داخل المخيم:
في محيط المسجد حيث وقع الانفجار، ينتشر عناصر مسلحون من حركة "حماس"، وقد رفعوا الشوادر منعاً لتصوير أو مشاهدة حالة المسجد حالياً. يمنع المسلحون الاقتراب من المسجد لأي شخص، وبين الحين والآخر يأتي أحد مسؤولي الحركة ليدخل وراء الشادر في زيارة تفقدية ميدانية لمكان الحادث، ثم يتبعه مجموعة من رجال الدين في زيارة أشبه برسمية. عناصر "حماس" حاسمون في قرارهم، ممنوع اقتراب الإعلام ولا يوجد لدينا أي شيء لنقوله سوى الرواية الرسمية التي تُفيد باحتراق خزّان مازوت، ناجم عن احتكاك كهربائي، في أحد المراكز التابعة للحركة والمؤلف من طبقتين فيهما قاعة ومركز صحي ومسجد، وفي محيطه ملعب يُستخدم للنشاطات الرياضية، وامتد هذا الحريق ليصل إلى أسطوانات غاز وأوكسجين موجودة في القاعدة، ما أسفر عن وقوع الانفجارات.
إخلاء المنازل المحيطة
على بُعد عشرات الأمتار من المسجد، يجلس باسل أبو شهاب، أحد مسؤولي حركة "فتح" في المخيم، إلى جانب عشرات المسلحين من الحركة. يشرح أبو شهاب لـ"النهار" ما حدث يوم أمس، "حيث أدى خلل ما إلى اندلاع حريق وانفجار أسطوانات أوكسيجين موجودة في المسجد". وأضاف: "إلى جانب المسجد يوجد مولدات كهرباء وخزانات مازوت، ولو امتد الحريق إليها لكنا أمام مشهد آخر".
يترك أبو شهاب مسألة تأكيد أو نفي وجود مخزن أسلحة لـ"حماس" للقضاء اللبناني الذي باشر تحقيقاته بالملف. وتابع "في جميع الأحوال، لدى أبناء الفصائل الفلسطينية أسلحة لمواجهة العدو الاسرائيلي وهي تفتخر به". ولفت إلى أن "أحد مسؤولي حماس أشار إلى وجود أسلحة مخصصة لمرافقي الشخصيات في الحركة، وهذه المرافقة مرخصة من الدولة اللبنانية".
يُفسر أبو شهاب عدم وقوع ضحايا جراء الانفجار، رغم المشاهد المرعبة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بأن الانفجارات الضخمة قد حدثت بعد 20 دقيقة من اندلاع الحريق، وهذا ما سمح بإخلاء المنازل المحيطة بالمركز. كما يلفت إلى أن شباب حركة "فتح" سرعان من انتشروا في شوارع المخيم من أجل مساعدة ومؤازرة الطواقم الصحية المختلفة.
طوق أمني منذ اللحظة الأولى
من ناحيته، يلفت الشاب نادر سعيد إلى أنه في تمام الساعة الثامنة والنصف، جاء اتصال لصديقه، وهو عضو في اللجنة الشعبية، يطلب منه الانتقال إلى مركز القيادة بسبب أمر طارئ، وما هي إلا دقائق حتّى بدأت أصوات الانفجارات ترتفع أكثر وأكثر. وقف سعيد وأصدقاؤه على بُعد 70 متراً من المسجد حيث أقامت حركة "حماس" طوقاً أمنياً لإبعاد المدنيين.
وقال سعيد "حاولنا المساعدة من خلال تفريق المدنيين واستمررنا على هذه الحال لمدة ساعة، وكانت الانفجارات تتوالى بأصوات مختلفة". وأضاف: "الأضرار المادية انحصرت بالزجاج، في حين أن المسجد لا نعلم حجم الضرر فيه، إذ إن الطوق الأمني كان مشدداً حوله منذ اللحظة الأولى".
انتشار الدخان وتساقط الشظايا
أما أسعد صفدي، الذي يقطن في منزل قريب نسبياً من المسجد، فقد ظن أن ثمة قصفاً إسرائيلياً للمخيم، فسارع للخروج إلى أمام المنزل ليسمع أصوات رصاص وبدء أبناء المخيم يتحدثون عن اشتباكات بين بعض الفصائل، وما هي إلا دقائق وبات الحديث يكثر عن انفجار مخزن أسلحة لحركة "حماس"، وقال الصفدي إنه "في هذه اللحظة سمعت صوت انفجار ضخم دفعني إلى الأرض، وانتشر الدخان في المنطقة وبدأت الشظايا تتساقط".
وفي وقت ما زالت فيه المعلومات غير دقيقة حول حجم الخسائر البشرية بسبب وجود العديد من الطواقم الطبية التي ساعدت بنقل المصابين، انحصر الدخول إلى داخل المسجد بالهيئة الصحية التابعة لـ"حزب الله". وأفادت مصادر خاصة لـ"النهار" عن تسجيل وفاة الشاب ح. ش.، وهو ليس من سكان المخيم.
واستمرت التأويلات بعد بيان "حماس" الذي تأخر كثيراً للخروج الى العلن، وأشار إلى أنه "بعد الوقوف على ملابسات الحادث، والاستماع لشهود العيان، ومَن كانوا يوجدون بالقرب من الحادث، تبيّن لنا أنه ناتج عن تماس كهربائي في مخزن يحوي كمية من أسطوانات الأكسجين والغاز المخصصة لمرضى الكورونا، وكمية من المنظّفات والمطهّرات والمواد الأولية المخصّصة لمكافحة وباء كورونا، والتي كانت مخصّصة للتوزيع ضمن الجهود الإغاثية، وقد ألحقت النيران الضرر ببعض الممتلكات، وكانت الخسائر محدودة، ونشكر الله تعالى على حفظه ورحمته ولطفه".
وتابع "إننا في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إذ نعبِّر عن ألمنا لهذا الحادث، نحيِّي حالة الوعي والمسؤولية التي أظهرها المجتمع الفلسطيني في لبنان بتضامنه وتلاحمه. وتحيّي #حركة حماس كذلك صمود وشهامة أهلنا في مخيم البرج الشمالي، وتكبر فيهم حسّ المسؤولية، وحسن التصرّف في التعامل مع الحدث، هذا المخيم الصامد الذي قاوم الاحتلال الإسرائيلي، ومتمسّك بحق العودة إلى فلسطين".
واستنكرت "حماس" "حملة التضليل الإعلامي، ونشر الأخبار الكاذبة التي رافقت الحدث، وتؤكّد أن ما جرى نشره من أخبار عن أسباب الحادث، ومقتل عشرات القتلى، ما هو إلا أخبار مفبركة لا أساس لها من الصحة، كما نؤكد أنه لا صلة للحركة بأي بيان صدر عن الحادث".