جرى اليوم الإعلان عن فوز مونيكا بورغمان بالجائزة الفرنسيّة -الألمانيّة لحقوق الإنسان وسيادة القانون، وهي جائزة تقدّمها الخارجيَّتان الألمانيّة والفرنسيّة سنويّاً منذ 2016، بتاريخ 10 كانون الأوّل ، يوم الذكرى السنوية للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان الذي تمّ التصديق عليه في 10 ;كانون الاول 1948. وتمنح هذه الجائزة لشخصيّات حول العالم عُرفت بدَورها البارز والفاعل في الدفاع عن حقوق الإنسان في مُختلَف مَيادين العمل.
لمونيكا بورغمان، الصحفيّة والمُخرِجة ومديرة مركز أمم للتوثيق والأبحاث الذي أسَّسَتهُ مع زوجها الراحل لقمان سليم، مسيرةٌ مهنيّةٌ حافلة في هذا المجال، بدايةً بعملِها كصحفيّة في التسعينيّات على مواضيعَ تتمحوَر حول الذاكرةِ وأشكالِ العنف، نَذكر في هذا الصدد مقابلتَها النادرة مع الجزائريّ سعيد مقبل قُبَيل اغتيالِه، إلى إخراجِها لأفلامٍ وثائقيّة مختلفة تصبُّ في منحى مماثل تعتمدُه بورغمان التي لا تَنقصُها الشجاعةُ لطرح أكثر المواضيع جدليّةً وقسوَة. ففيلم "مَقتلَة " (2005) من إخراج مونيكا ولقمان سليم وهيرمان ثييسن يوثِّق شهاداتٍ حيّة لعدَد من القتَلة الذين ارتكبوا مجزرة صبرا وشاتيلا سنةَ 1982، فيسردُ هؤلاء - وكأنَّما لأنفسِهم بالدرجة الأولى - ما اقترفوه من فظائعَ أمام الكاميرا. فيما " تدمر" (2016) من إخراجِها ولقمان سليم ومستمَّدٌ من عملهما المشترَك لبناءِ مُنتدى الشرق الأوسط للشؤون السجنية، يصوِّر حياةً المعتقَلين اللبنانيّين في سجن "تدمر" السوريِّ، حيث يُعيد السجناء السابِقون تركيبَ مكانِ سجنِهم وأدواتِ التعذيب الساديّة التي هي نِتاج مَخيَلة نظام البعث الأسديّ المُرعِبة.
وأتى تأسيسُ أمَم للتوثيق والأبحاث سنةَ 2005 كتَتويج للرؤيَة المشترَكة التي آمنَ بها مونيكا ولقمان سويّةً، وقد يكون مفهومُها المبسَّط أنْ لا سبيل للنجاة من التاريخ إلّا عبر توثيقِه والإقرار بوقائعه. فتقومُ مؤسّسة أمم مُذّاك بعمل أرشفة وتوثيق نَتج عنه بناءٌ لأرشيف ضخم متاحٌ للمواطن. فحفظُ ذاكرةٍ كهذه، بتفاصيلِها الجامعةِ أم الفرديّة، يَبرز كحاجة أساسيّة في بَلد كلبنان لم يَزل تاريخُه معلّقاً منذ الحرب الأهليّة وما سبقَها الذي لا يقلُّ إشكاليّة عمّا تبعَها.
وعلى إثرِ اغتيال لقمان سليم، أنشِئت مؤسَّسة حملت اسمه، تعنى بالاغتيالات السياسيّة. هنا تتابعُ مونيكا نضالَها للتعريفِ والبحث في قضيَّة تفتُك بمُجتمَعات المنطقة، من أجل بناء أجهزة قضائيّة عادلة وشفّافة تقتصُّ من قتلَة لقمان والمئاتِ غيرِه من ضحايا الاغتيالات السياسيّة في لبنان والعربي.
شخصيّات عالميّة وعربيّة فازت سابقا بالجائزة عينِها، من بينها على سبيل المثال المحاميَة الإيرانيّة نسرين ستوده أو الصحفيّة الروسيّة إيلينا ميلاشينا و الحقوقي السوري أنور البني .