ماذا لو انقطعت الاتصالات ومعها الإنترنت في لبنان؟ سؤال يراود الجميع. وكما في كل أزمة، يجد اللبنانيون سبلاً بديلة لتيسير أمورهم، ويتحضّرون حتى للسيناريوات الأسوأ. فمع انقطاع الإنترنت في الفترة الأخيرة، تكبّدت شركات كثيرة خسائر جمة، منها مَن كان مجهزاً لهذا الانقطاع، ومنها استسلم للواقع. في هذا الإطار، تنتشر أيضاً خدمات الإنترنت غير الشرعي، الذي عندما تنقطع خدمات "أوجيرو"، يواصل خدماته.
إذاً، كيف انعكس انقطاع الإنترنت على الشركات التي تعتمد على هذه التقنية في عملها؟ وهل من تقنيات بديلة عن "أوجيرو" وعن الانقطاع التام للاتصالات في لبنان (إذا ما حدث)؟
يورد زياد عبدالله، المدير التنفيذي في شركة Creatives للتسويق الإلكتروني، أنّ خدمة الإنترنت من "أوجيرو" لم تنقطع لديه، لكن في الحالات الصعبة، يلجؤون إلى الهواتف لتيسير الأعمال عبر الـ 4G فعملها يحتاج إلى إنترنت سريع أسرع من الـ DSL. وتعتزم الشركة، تجنّباً لانقطاع جديد بالإنترنت، استجرار الإنترنت من الخارج، في أسوأ الحالات.
أمّا ليشا طربيه، شريك مؤسِّس في شركة Nova4 للبرمجة، فيفيد أنّ "مشكلة الإنترنت انعكست بشكل كبير على عملنا". ومع انقطاع الإنترنت الكلي، تستخدم الشركة الهواتف عبر الـ 3G . لكن تسليم المشاريع تأخّر أيضاً، فالإنترنت لم يساعد وسبّب مشاكل مع الزبائن. والشركة بصدد اللجوء إلى جهاز 4G router، رغم أنّها مكلفة أيضاً، إذ تُحتسب الكلفة تبعاً للاستهلاك، وهو ذو كلفة عالية. وعن الكلفة الإضافية، يورد طربيه أنّ 20 جيغابايت من الـ 4G بحوالي 60 دولاراً على سعر "صيرفة"، وهذه الباقة لا تكفي ليومٍ واحد.
ماذا تقدّم الشركات المزوِّدة للإنترنت بدائل لانقطاع الخدمة؟
قسم المبيعات في شركة "Sodetel" المزوِّدة لخدمات الإنترنت، يفيد "النهار" بأنّ الشركة، كباقي الشركات الخاصة المزوِّدة لخدمات الإنترنت، توفّر جهازاً بديلاً عن إنترنت DSL الموصول بـ"أوجيرو".
الجهاز هو جهاز 4G router، بسعر حوالي 85 دولارا، ويعمل عبر إرسال شبكة "تاتش". ولا خيار آخر عن DSL "أوجيرو"، بحسب المسؤول، سوى اعتماد هذا الجهاز، إذ يغطي بالإرسال المساحة نفسها التي يغطيها جهاز الـ router الموصول بـ"أوجيرو"، وهو محمول ويمكن شحنه لتغطية حوالي 7 ساعات، دون الحاجة إلى شبكة بالكهرباء.
كذلك، المدير التنفيذي لشركة "Masco group" محمد عرابي، يورد لـ"النهار" أنّ خدمات الإنترنت التي تقدّمها الشركة إلى زبائنها في مختلف الأراضي اللبنانية، تعرّضت لضرر كبير بسبب انقطاع خدمات "أوجيرو"، كونها مصدر الإنترنت الأساسي والشرعي الوحيد في لبنان".
و"في حال انقطاع كافة الوسائل التي تؤمّن الإنترنت، وخصوصاً خدمات "أوجيرو"، يحقّ للشركات وبحسب القانون اللجوء إلى "الداون ساتلايت" أي عبر الأقمار الصناعية لكنّه مُكلِف للغاية ومن الصعب جداً اعتماده بسبب الحاجة إلى تجهيزات لا تستطيع الشركات تأمينها"، يؤكّد عرابي.
وهناك طريقة أخرى، يتحدّث عنها، تكمن في استجرار الإنترنت من البلدان المجاورة بشكل غير شرعي، و"هي طريقة غير قانونية لأنّها تعرّض البلد للاستباحة الأمنيّة". ويشدّد عرابي على أنّ "لا بديل أبداً عن "أوجيرو"، وفي حال انقطاع خدماتها الكامل، لن تستطيع الشركة الاستمرار بتقديم خدماتها للزبائن".
إنترنت السوق السوداء ينتشر... وأين أمن بيانات اللبنانيين؟
أدّى انقطاع الإنترنت مؤخراً إلى "خراب بيوت" الشركات خصوصاً التي يعتمد عملها على الإنترنت كشركات البرمجة والتسويق الإلكتروني وسواها. فهناك شركات كبرى ومنها أجنبية، أبلغت رئيس نقابة المعلوماتية والتكنولوجيا في لبنان جورج خويري، رسمياً، أنّه إذا ما استمرّ وضع الإنترنت على هذا النحو فهي ستهجر لبنان.
هذا ما يؤكّده خويري في حديث لـ"النهار". ويضيف أنّ هناك صاحب شركة أخرى، اضطرّ إلى تحويل مشاريع كان عليه تسليمها، إلى لندن، وبذلك خسر أرباحه، فالزبائن في الخارج لا يصبرون ولا يستوعبون بلداً تنقطع فيه الكهرباء والإنترنت. وبنظر خويري، مطالب موظفي "أوجيرو" محقّة، لكن "لا يمكن قطع خدمة يعتمد عليها 80 في المئة من الشعب اللبناني لكي يعيش، فبذلك يخربون بلداً بحاله".
وقد تكبّدت شركات عديدة خسائر فادحة، كونها تعتمد على الدولار الفريش في أرباحها وتعاملها مع الزبائن في الخارج، إلى جانب كلفة الإنترنت التي ارتفعت بشكل كبير مقابل رداءة وانقطاع الخدمة. وفيما زادت كلفة الإنترنت 10 أضعاف، وفي حين لا يمكن الاكتفاء بجهاز إنترنت واحد في أي شركة، أصبحت فاتورة الإنترنت في الشركات بملايين الليرات.
وبرأي خويري، البديل الوحيد عن جميع خدمات الإنترنت المتصلة بـ"أوجيرو" أو شبكات إرسال شركات الخليوي، هو vsat، لكنّه غير شرعي ولا قانوني ولا يحتاج إلى أي شبكة إرسال محلية أو خارجية، وهو رائج في السوق السوداء، وهناك مَن يشتريه من الخارج ويدخله إلى لبنان، فحجمه ليس كبيراً.
ويرفع خويري الصوت مسلّطاً الضوء على أمن بيانات اللبنانيين، إذ حتى أصحاب الكابلات، أداؤهم أسوأ بعد من هذه التقنيات، فهم يتزوّدون، وفق خويري، من "أوجيرو" بخدمات الإنترنت، لكن عندما تنقطع، يستمرّون بتقديم خدماتهم للزبائن عبر استجرار الإنترنت من الخارج ولا يمكن معرفة الجهات التي تورّد الإنترنت.
هذا عدا عن الخطر الأمني الكامن على أمن البيانات عبر وصل الإنترنت بخوادم غير شرعية، إذ لا يمكن معرفة الجهة التي تحصل على البيانات الشخصية للأفراد من خلال نشاطاتهم على المنصات والمواقع والإنترنت، لذلك، فإنّ "أمن المعلومات أصبح صفراً". فلجميع نشاطات الفرد على الإنترنت، نسخة، وحالياً عدد كبير من الأشخاص يتم خرق بياناتهم دون أن يدروا، عبر الإنترنت غير الشرعي.
ويشبّه خويري أصحاب الإنترنت غير الشرعي بأصحاب المولّدات، من حيث عددهم الكبير ولجوء الناس إليهم، مرغَمين، بديلاً عن الدولة، بسبب انقطاع الخدمات.
التوجّه إلى قبرص بديل شائع وخدمة متواصلة
في حال انقطعت الاتصالات نهائياً في لبنان، "لا بديل عن الإنترنت المزوّد من الكابل البحري الذي يصل لبنان بالخارج"، بحسب خبير التكنولوجيا سلّوم الدحداح. وحتى جهاز الـ 4G router أيضاً لن يكون شغالاً بحال انقطاع إرسال الشبكات المحلية.
لكن ماذا عن خدمة الـ vsat الرائجة؟ في حديثه لـ"النهار"، يوضح الدحداح أنّ المواقع الإلكترونية لا سيما الكبرى منها، لا يمكنها الاعتماد على هذه التقنية. لكن ما هو شائع حالياً، هو استجرار الإنترنت من قبرص، وفق الدحداح.
كيف تعمل هذه التقنية؟ يقوم أي شخص باستئجار تلة كاشفة على لبنان، ويزوّدها بجهاز wireless ويطلب من أي شركة إنترنت إيصال الخدمة على هذه النقطة، ويتم إيصال الإنترنت على هذا الجهاز. كذلك، يتم تركيب جهاز مشابِه لهذا الجهاز في لبنان، ويتم تفريغ الإنترنت منه، وتصبح شبكات الإرسال الممدودة في قبرص كبديلٍ عن شبكات الإرسال المحلية نوعاً ما.
إلى ذلك، وخلال البحث، تبيّن أنّ هناك شركات تمدّ الإنترنت وتعمل من خارج لبنان من دول كألمانيا، وتعتمد تقنية الـ vsat. وقد أكّد أحد المواطنين المستفيدين من هذه الخدمة، أنّه لدى انقطاع إنترنت "أوجيرو" و الخليوي، بقي الإنترنت شغّالاً لديه. ولدى سؤاله الشخص الذي مدّه له هذه الخدمة، أكّد له أنّه يأتي بالإنترنت من ألمانيا، متحفّظاً عن باقي التفاصيل.
وتعمل هذه التقنية كتقنية النقل التي تعتمدها التلفزيونات للبث المباشر عبر الأقمار الصناعية، إنّما تنقل الإنترنت بدلاً من الصورة. لكن هذه التقنية تعتبر مخالِفة للقانون اللبناني، إذ لا تمر تحت رقابة الدولة.
ويتّجه كثيرون للاستثمار في تقنيات الإنترنت (عبر الـ vsat) خارج لبنان لمدّ الإنترنت إلى نقاط معيّنة داخله بهدف التجارة، من بلدان عديدة كقبرص وتركيا، بحسب الدحداح.
وعن كلفة الاشتراك للمؤسسة والأفراد، يورد الخبير أنّها تخضع للعرض والطلب، إذ لا جهة تحكم هذه الخدمة سوى المستثمِر نفسه، إذ يتكلّف خدمة نقل الإنترنت والتجهيزات اللازمة. وبات أصحاب الكابلات في لبنان يمدّون الإنترنت عبرها.