هي اللحظة المشؤومة، لحظة خُطفت خلالها أرواح المئات وأصيب الآلاف بجروح وندوب سترافقهم طوال الحياة. غالبية المصابين عادوا إلى بيوتهم ليبدأوا رحلة جديدة مع محاولة تقبّل الصدمة، إلا أن عدداً قليلاً لا يزال يعاني على سرير المستشفى، منهم لارا حايك التي دخلت في غيبوبة منذ ذلك اليوم الدموي، يوم دوى انفجار المرفأ الذي ترك بصماته الشنيعة في تاريخ لبنان.
حين سقطت لارا جريحة
حين وقعت الكارثة كانت لارا (42 سنة) في منزلها في الأشرفية، شارع العكاوي، بعدما عادت من عملها في إحدى الشركات، اتصلت بوالدتها نجوى عند الساعة الخامسة والثلث، أبلغتها أنها ستتوجه إلى الصيدلية حيث اعتادت تمضية بعض الوقت مع أصدقائها، إلا أنها قبل أن تنتهي من تجهيز نفسها وقعت الكارثة، دوى الانفجار، وسقطت لارا جريحة، بعدما طار الباب وضرب رأسها. وبحسب ما قالته والدتها لـ"النهار": "حينها كنت في عملي في المصرف، لم أعلم بداية مكان الانفجار، ولم يخطر ببالي أن تكون فلذة كبدي إحدى ضحاياه، اتصل بي إبني سألني عن لارا، أطلعته أنها في المنزل، فأخبرني أنه سيتوجه لمساعدة خالته، بعدها اتصلت على هاتف المنزل مرتين من دون أن يجيب أحد، لا تواصل مع جارتي التي قالت لي إن المبنى كله تضرر والجرحى بالعشرات، صعدت للاطمئنان عنها فوجدتها مصابة في عينها وجبينها وهي تنزف وتبكي".
مشاهد الرعب
سارعت نجوى من الحمرا إلى الأشرفية وقالت: "كان مشهد تعجز الكلمات عن وصفه، دمار وموت في كل مكان، وصلت لأجد لارا في منزل جارتي، كانت لا تزال في وعيها، طلبت مني ألا أخاف، نزلنا لكي نتوجه بها إلى المستشفى، وعندما لم يتوقف أحد لنقلنا تمددتُ أرضاً مدعية أني مصابة، عندها توقفت شاحنة صغيرة، فسارع بنا من مستشفى إلى آخر من دون أن يستقبلنا أي منها، ولارا ممددة في خلفية الشاحنة، إلى أن وصلنا إلى الجامعة الأميركية حيث كانت باحتها ممتلئة بالمصابين، وبرك الدم تغطي الأرض، وضعت على النقالة من دون أن يجري إسعافها بسرعة، إذ لم يقدّر أحد أنها مصابة في رأسها، بل اعتقدوا أن الإصابة في عينها، كان الدم يخرج من فمها، ولا يمكنني أن ألوم أياً من الأطباء والمرضى حيث كانوا يعطون الأولوية للإصابات الأكبر". وأضافت: "لحين اكتشفوا أن إصابة لارا برأسها استغرقوا وقتاً، فتوقف قلبها ودخلت في غيبوبة، بقيت في الجامعة الأميركية ثلاثة أشهر قبل أن ننقلها إلى مستشفى بحنس، وهي الآن في أيدٍ أمينة وأنا أسلمها إلى الله، فمدة الإصابة بالغيبوبة النباتية، أي حين يكون المريض مفتح العينين من دون أن يرى، تراوح من 6 أشهر إلى سنة".
أمل بالشفاء وكلمة للمسؤولين
آخر ما قالته نجوى لابنتها قبل أن تدخل في غيبوبة: "سلمتك للعدرا، العدرا أعطتني إياك وهي من تحميك". وأضافت: "كانت لارا ممتلئة بالحياة، تحب مساعدة الغير في الخفاء، وتمضي أوقات فراغها في ممارسة رياضة المشي والسباحة، ذكية جداً، وخفيفة الظل، إلى أن وقعت ضحية انفجار غيّر حياتها وحياتنا في لحظات". وعما تقوله للمسؤولين: "الله لا يوفقهم، الأمر لا يقتصر على ابنتي بل هناك حالات مأسوية عدة، لا أحد منهم سأل عن المرضى والمنازل المدمرة، وماذا لو انفجرت كل كميات نيترات الأمونيوم الموجودة في المرفأ، ماذا كان حل بنا"؟