النهار

ضغوط دينيّة تنقل حفلة صيدا: "تعرّضت لانتقادات لدرجة أنّ هدر دمي أصبح مباحاً"
فؤاد بو غادر
المصدر: "النهار"
ضغوط دينيّة تنقل حفلة صيدا: "تعرّضت لانتقادات لدرجة أنّ هدر دمي أصبح مباحاً"
مهرجانات صيدا. (ارشيفية).
A+   A-
 
"نحن شركة عالمية لدينا مبادئ وأخلاقيات نلتزم بها في كل منطقة، ولا نروّج للفسق والفجور كما اتّهمونا"، هذا ما عبّر عنه لـ"النهار" رئيس شركة "World of Business" عبد الكريم فواز بعد حملة من الضغوط التي مورست على الحفلة الترفيهية التي كان من المفترض أن تقام في واجهة صيدا البحرية. لاقت الحفلة معارضة شاملة من الجماعة الإسلامية وعدد كبير من علماء الدين، كما خطّط بعضهم للتركيز على هذه الحفلة في خطبهم يوم الجمعة.
 
هي ليست المرة الأولى التي تثير فيها الحفلات جدلاً كبيراً في صيدا وبعض المناطق اللبنانية الأخرى. ففي عام 2017 أحيت المغنّية اللبنانية نانسي عجرم حفلة في صيدا، بحضور كبير للقوى الأمنية برّاً وبحراً بسبب حملات طالبت بعدم إقامة حفلات "تسيء للمناخ الإسلامي في المدينة". ترتفع وتيرة هذه الاحتجاجات على الرغم من تبنّي فئة قليلة، وهم فعلاً منعوا حضور حوالى 5 آلاف شخص إلى الواجهة البحرية لينعموا بالقليل من الفرح. ليس غريباً أن تغيب صيدا عن المشهد السياحي الصيفي، في وقتٍ تشهد فيه مناطق سياحية وبحريّة أخرى أجواءً سياحية كثيفة.
 
طالت الانتقادات الشديدة النجمة الاستعراضية مايا نعمة التي اعتبر البعض طريقة لباسها وفنّها منافياً لخصوصيّة المدينة. من جهته، أكّد فوّاز أن الشركة أبلغت نعمة عن ذلك الموضوع وتمّ الاتفاق على نوع اللباس وطريقة تقديم العرض. "لكن على الرغم من ذلك تعرّضت لانتقادات شخصية هائلة على مواقع التواصل، حيث أباح البعض دمي"، يقول فواز. تقام الأعراس دائماً في صيدا وتكون الموسيقى حاضرة، إلا أنّ هذه الحفلة لم تمر مرور الكرام خصوصاً بعد تداول صور لنعمة بـ"البكيني" خلال مشاركتها في إحدى البطولات العالمية لكمال الأجسام.
 
بحسب الناشطة روان الجعفيل نُقلت الحفلة إلى أحد المنتجعات في طريق عام علمان منعاً لأيّة مشاحنات داخل صيدا. روان واحدة من الناشطات اللواتي يتعرّضن للهجوم دورياً بسبب نزعها الحجاب وتبنّيها الفكر العلماني من جهات هي نفسها اليوم من استاءت من إقامة الحفلة. تتساءل الجعفيل عمّا إن كان هؤلاء الأشخاص يدركون فعلاً إلى أين يوصلون صيدا. "لماذا رضخت البلدية اليوم لقرار منع إقامة الحفلة في الواجهة البحرية، هل بسبب حسابات سياسية أم ماذا؟ إلغاء الحفلة يضع علامات استفهام على أداء السلطة المحلية".
 
 
 
في المقابل، يشدّد مصطفى حجازي، مسؤول نشاطات رمضان وصيف 2022 لـ"النهار"، على أنّه جرى تضخيم المسألة، فصيدا لم تلغِ يوماً أيّ حفلة فنّية. "ما حصل هو أننا نقلنا مكان إحياء الحفلة لأسباب لوجستية فقط، لكن الكثير من الناس ينجرّون خلف الشعبويّة".
يُذكر أن صيدا كانت قد تعرّضت لحركة مشابهة في رمضان الماضي حيث احتجّ البعض على إقامة حفلات فنّية خلال ليالي رمضان، "لكنّ البلدية استمرّت بهذه الحفلات ولم تلغِها لأن تعدّد الآراء أمر طبيعي". وتلتزم بلدية صيدا بضوابط معيّنة تراعي خصوصيتها، حيث أكد حجازي أن البلدية تمنع شرب الخمر والأغاني التي تحتوي على كلمات مسيئة كأغاني "الراب" في مثل هذه النشاطات.
 
على الرغم من نقل الحفلة من الواجهة البحرية إلى منتجع "بالتراضي"، تكبّدت الشركة المنفّذة للحفل خسائر كبيرة، بحسب رئيسها عبد الكريم فواز. منسّق موسيقي “DJ” عالمي كان سيحيي الحفل، لكنّه امتنع عن المشاركة بعد معرفته بردود الفعل التي يلقاها الحفل. ويختم فواز بإصراره على إقامة هذه الحفلة في صيدا لا في أيّ مدينة أخرى لأنها "تستحق الحياة كغيرها".
 
الأمر نفسه حدث سنة 2019 في جبيل بعد إلغاء حفلة فرقة "مشروع ليلى" بعد ضغوط دينيّة بسبب "المساس بالقيم الدينية المسيحية". وشهدت مناطق أخرى دعواتٍ لمنع حفلات ترفيهية أو إقامة أعراس لأسباب "غامضة". فمنذ حوالى شهر، أعلنت حديقة "هوا شلعبون" في جوار بنت جبيل جنوب لبنان عن وقف إقامة الأفراح لأسباب تتحفّظ عن ذكرها، فيما استاء الكثير من سكان المنطقة من هذا القرار الذي لا يزال حتى اليوم غامضاً.
 
يصعب على اللبناني أن تحيطه مجموعة من القيود التي من المفترض ألّا تكون إلزامية أو مفروضة عليه. فهو بحاجة لأيّ جرعة فرح قد تخدّره قليلاً من هموم أصبحت تستنزف مقدرته على الاستمرار، فكيف إن مُنعت الأفراح؟ عند كل خطوة يصطدم اللبناني بقرارات تصدرها سلطات دينيّة، فبعد أن تحكّمت بكلّ ما يعني المواطن على مرّ السنوات، تتّجه اليوم نحو فرض هذه السلطة على نشاطاته الترفيهية.

اقرأ في النهار Premium