النهار

السكن الطالبي في "حيّ الجامعة" بالدولار... المعاناة تتفاقم وانعدام الأمن والخدمات! (صور)
بتول بزي
المصدر: "النهار"
السكن الطالبي في "حيّ الجامعة" بالدولار... المعاناة تتفاقم وانعدام الأمن والخدمات! (صور)
الجامعة اللبنانية- مجمّع رفيق الحريري الجامعي.
A+   A-
فصل آخر من فصول أزمات طلاب الجامعة اللبنانية يُطرَح اليوم مع استمرار ضبابيّة مصير العام الدراسي الجديد. لم يكُن يتوقّع الطلاب أن يضطرّوا يوماً للمفاضلة بين تسديد أقساطهم الجامعية، أو دفع بدل سكن لهم في بيروت، أو العمل بدوام كامل لتغطية كلّ هذه النفقات للتخفيف عن كاهل ذويهم.

ينزح الطلاب من الجنوب والبقاع والشمال نحو بيروت لمتابعة تحصيلهم العلمي، حيث يضمّ مجمّع الحدث الجامعي عشرات الاختصاصات، في حين تُحرَم مناطق أخرى من التوزيع العادل للكليات. إلّا أنّ التنقّلات اليومية من الجامعة وإليها أتعبت جيوب الطلاب، فبات خيار استئجار سكن طالبي البديل الوحيد لهم. بعضهم اعتاد سابقاً على الإيجارات، حينما كانت تكلفة الغرفة الواحدة لا تتعدّى 300 ألف ليرة في محيط المنطقة التي تُعرَف بـ"حيّ الجامعة"، المحاذية لحيّ السلّم، وتُعَدّ من المناطق الشعبية ذات الإيجارات الأرخص مقارنة بإيجارات الشقق من جهة الحدت، وقد وصل سعرها إلى 800 ألف ليرة في الموسم الماضي. أما اليوم، فتتراوح الأسعار بين 50 دولاراً و100 إلى 150 دولاراً بحسب موقع السكن والخدمات المقدّمة، فيما لا تُقدِّم أيّ منها خدمات شاملة كالسابق. كما يفرض أصحاب السكن على الطلاب دفع الإيجار نقداً بالدولار أو ما يوازيه بسعر الصرف عند أول كلّ شهر، وبالتالي لا سقف لارتفاع التكلفة.
 
شهادات طالبات

تروي نور، الطالبة في كلية الحقوق والعلوم السياسية، والقادمة من البقاع الغربي إلى بيروت، تجربتها "السيّئة جدّاً" مع السكن الطالبي هذا العام، وكيف قضت فترة الصيف بلا كهرباء، بسبب "مزاجية صاحب المولّد"، إضافة إلى "انقطاع الإنترنت، وزيادة كلفة الإيجار لتغطية نفقات الغاز التي كانت سابقاً مشمولة بالعقد".

عند اشتداد أزمة المازوت، مهّد صاحب السكن بزيادة الإيجارات حتى وصلت إلى 80 دولاراً اليوم، متذرّعاً بتركيب طاقة شمسيّة، مع التهديد المستمرّ بطرد المتخلّفات عن الدفع في مهلة أقصاها 5 أيام من مطلع الشهر. تطلق نور صرخة عبر "النهار": "أغلب الطلاب يضطرّون للعمل إلى جانب تعليمهم، والرواتب تُدفع بالليرة اللبنانية، فكيف يمكن دفع 80 دولاراً بدل إيجار فقط، إضافة إلى تكلفة المواصلات اليومية، فهل يضغط أصحاب السكن على الطلاب للقبول بالأمر الواقع استغلالاً لحاجتنا للسكن؟".

حال المنطقة في محيط الجامعة اللبنانية ليس آمناً لسكن طالبات بمفردهنَّ وخاصة في أوقات المساء، ما يُسبّب لهنَّ قلقاً مستمرّاً من الاعتراض على واقع السكن "المزري" خوفاً من التعرّض لهنَّ. تروي نور كيف "يتعرَّضنَ لمضايقات خلال عودتهنَّ إلى سكنهنّ، ويخفنَ من التشليح على الطرق، فالمنطقة تحكمها مافيات المولدات وبعض العشائر".

الخدمات الشاملة التي كان يقدّمها "الفواييه" تقلّصت تباعاً مع اشتداد أزمات الكهرباء والمازوت والغاز. فقد اعتاد الطلاب في الأعوام الأخيرة على توافر كهرباء الدولة لبضع ساعات، فيما يغطّي المولد الخاص بالسكن الساعات الأخرى. إضافة إلى توافر المصعد الكهربائي، السخان المائي، البراد، الإنترنت والغاز المنزلي. إلّا أنّ الحال اليوم بات صعباً، فإن توافرت الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، لا يمكنهم تشغيل السخان ولا البراد طيلة النهار، ما يعني فساد الأطعمة المنزلية التي اعتادوا على تخزينها عند بداية كلّ أسبوع.
 


سوء إدارة الكليات في الجامعة اللبنانية، أجبر زينة، القادمة من النبطية، على الانتقال من كلية الزراعة في الدكوانة إلى مجمّع الحدت في الضاحية لإجراء امتحانات الفصل الثاني، بعدما أجرت امتحانات الفصل الأول في الفنار. تجربة "الفواييه" في الفنار كانت جيّدة وتكلفتها مقبولة، إلّا أنّ الغرفة التي استـأجرتها وصديقتها في أحد المباني السكنية في "حيّ الجامعة"، بتكلفة 800 ألف ليرة للشخص الواحد، لم تكُن مؤهّلة للسكن أبداً، وتقتصر الخدمات على توافر مروحة واحدة ومياه للخدمة من دون كهرباء. والحال ذاته ينسحب على مبنى سكنيّ آخر معروف في المنطقة، خاصّ بالطالبات، وقد عانينَ من سوء النظافة، إذ تقول إحداهنَّ: "ما ناقصها الغرفة إلّا جردون!".

أمام صرخة الطالبات، ينفي صاحب السكن الطالبي، الذي يرفض الكشف عن اسمه، ما يُتداوَل عن استلشاق بمعايير النظافة، ويقول لـ"النهار": "صحيح هناك تراجع في خدمة الكهرباء مثلاً، إلّا أنّ خدمات النظافة (على آخر طرز)"، مؤكداً أنّ "أمن السكن الليلي لا يزال على أحسن ما يرام". لا ينكر الواقع الصعب الذي يعانيه الطلّاب وذووهم، لكنّه يقارن حال المستأجرين بأحوال منزله، قائلاً: "الوضع كارثي لدينا، فلا كهرباء متوافرة لـ24 ساعة في البيت. الناس كلّها تعبانة، المستأجر وصاحب الملك، وكل مين يدبّر راسه".

قد تقفل أبواب "الفواييه" هذا في أيّ لحظة، بعدما كان مقفلاً لـ8 أشهر في الفترة السابقة مع غلاء أسعار المحروقات، وإذا ما بقيت الجامعة بحال إضراب، يتّجه المالك إلى الإقفال مجدّداً و"سيبقى الطلاب في الشارع"، وفق قوله.
 
 
 
مجمّع سكني آخر من الأكبر في منطقة "حيّ الجامعة" أقفل أبوابه نهائياً هذا العام، بعدما عجِز عن تأمين خدمات تليق بالطلاب وبكلفة منطقية توزاي قدراتهم المعيشية. المجمّع المؤلف من 218 غرفة مقسّمة بين طوابق للإناث والذكور، كان ملجأ أساساً للطلاب، بتكلفة تتراوح بين 175 ألف ليرة للغرفة المزدوجة و300 ألف للغرفة المفردة، وخدمات شاملة. لكن علي خليل، مالك المجمّع، لم يعُد قادراً على توفير النفقات التشغيلية للشقق، ويقول لـ"النهار": "فكّرتُ في تركيب طاقة شمسيّة للمبنى تغطي 10 ساعات من الكهرباء، وسأضطرّ حينها لتغطية الوقت المتبقي بتشغيل المولّد الخاص، ما سيحملني عبئاً إضافيّاً بدفع 800 ألف ليرة كلّ ساعة بدل صفيحة مازوت".

إلى ذلك، يقرّ خليل أنّ الطالب وأصحاب العقار "على حقّ معاً"، مؤكداً أنّ "ذوي الطلاب عاجزون حتماً عن دفع إيجارات بالدولار لأولادهم، فكيف إذا تخطّت الكلفة الـ150 دولاراً في حال اضطررنا لتأمين الكهرباء باستمرار؟".

وكعيّنة عن أوضاع الشقق السكنية للطلاب في مناطق أخرى، يبدو الواقع مشابهاً في زحلة أيضاً، إذ إنّ الطالبات، اللواتي استأجرنَ غرفاً سكنية محاذية للجامعة اللبنانية هناك، يضطررنَ للقيام بالأعمال المنزلية بأنفسهنّ، ودفع فاتورة الكهرباء وفقاً لتسعيرة الكيلوات في "كهرباء زحلة"، من خارج بدل الإيجار الذي يبلغ 100 دولار للسرير الواحد.

وبالرغم من زيادة النفقات اليومية، تعتبر روان، الطالبة في كلية الصحة- الفرع الرابع، أنّ "تكلفة التنقّلات بين منزلها في طرابلس وزحلة، باهظة جدّاً، وتصل إلى 400 ألف يوميّاً، فيما يبعد السكن الطالبي في زحلة عن الكلية قرابة 5 دقائق سيراً على الأقدام".

السكن الطالبي داخل حرم الجامعة: انهيار الخدمات!

مع بداية الأزمة الاقتصادية، بدأت الخدمات في السكن الطالبي، داخل حرم الجامعة اللبنانية، تتقلّص تباعاً حتى اختفى جزء منها كليّاً، إلّا أنّ الاشتراك الشهري للطالب ظلّ مقبولاً، بزيادة من 110 آلاف ليرة إلى 200 ألف ليرة فقط في العام الدراسي الأخير، و"لا قرار حاسماً بعد لبدل الإيجار الجديد هذا العام بانتظار قرار رئاسة الجامعة"، وفق معلومات "النهار".

يشكو عدد من الطلاب حرمانهم من الالتحاق بالسكن الخاصّ بالجامعة بعد إنهائهم 3 سنوات دراسية متتالية، في حين أنّ الطلاب القاطنين حالياً لا يتمتّعون بأدنى مقوّمات العيش. الكهرباء داخل الجامعة متوافرة برغم انقطاعها بين الحين والآخر، إلّا أنّ خدمات التكييف والتدفئة والمصعد الكهربائي والتنظيفات متوقّفة كليّاً، إضافة إلى تراكم النفايات داخل المبنى، ناهيك عن انعدام الصيانة الروتينية لتجهيزات الغرف. وقد لحظ الطلاب تراجع الأمن في الحرم الجامعي، بعد اقتصار الحرس على رجل واحد فقط للمجمع بأكمله، ما يشكّل خطراً على حياة المتواجدين ليلاً في سكنهم.

شكاوى الطلاب هذه يقابلها المسؤول في مكتب الشؤون الجامعية مجيد الحلو بالإقرار بواقع الجامعة "المشابه لانهيار البلد"، فالشركات المشغّلة للخدمات في إضراب مستمرّ منذ 6 أشهر. ويؤكد الحلو، في اتصال مع "النهار"، ما يعانيه الطلاب، بـ"ظلّ انعدام هيكلية العمل، وما يرافقها من توقّف الخدمات، وغياب الأمن وتراكم النفايات وتجمّع مستنقعات المياه"، لافتاً إلى أنّه "لا يمكن للجامعة استقبال طلاب جدد الآن، مع اضطرارنا لتسوية أوضاع المستأجرين الحاليين، بانتظار عملية تلزيم جديد للشركات المشغّلة للخدمات".
 
هي صرخة لمعاناة طلاب جامعة الوطن، الذين يحاولون اكتساب تحصيلهم العلميّ بكلّ ما أوتوا من قوّة وتكاتف مع ذويهم، في حين صدّت الأزمة الاقتصادية الخانقة أحلامهم، وشكّلت عائقاً أمام قدرتهم على العطاء.

اقرأ في النهار Premium