تكرّرت حادثة بسّام الشيخ حسين في سلسلة اقتحامات اليوم وأمس، معلنةً فلتاناً وفوضى طبيعية في ظلّ أوضاع غير طبيعية. ساء وضع الناس حتى وصلوا إلى القعر، وبات انتزاع الحقوق هو الوسيلة الوحيدة. فالحاجة والجوع، يجعلان من المسالِم "مقتحِماً". لا يمكن ملامة هؤلاء الأشخاص، إذ لكلٍّ ظروفه القاهرة، والغاية تبرّر الوسيلة، ومن لا ظروف مؤاتية له، يتسلّح بحقّه المكرَّس.
لكن ما الذي دفع بهذه السلوكيات بعد 3 أعوام على الأزمة؟ ولماذا لم نشهدها سابقاً في أوج الثورة؟
يصل الإنسان إلى درجة عالية من الضغط الذي لا يمكن أن يتحمّله، الضغط الذي يواجهه في أزمة متعدّدة الأوجه. ولم تعد الأزمة تلمس مصير اللبناني فقط، بل غذاءه اليومي أيضاً، وبات الشعب يعيش الخوف من الغد. هذا ما تراه المعالجة النفسية العيادية، كارمن حريق، في حديث لـ"النهار". ففي لبنان، اعتدنا أن "تُفرَج"، لكن وجد الناس أنّ الأزمة ستطول. ويجب الالتفات إلى أنّ هذا الإنسان تحمّل لكن وصول الأمر إلى مرضه وقوته، دفعه إلى التحرّك بهذا الاتجاه.
لماذا اليوم وليس منذ بداية الأزمة؟
بعد مرور 3 سنوات على الأزمة، ساء وضع معظم الناس، ووصلوا إلى ذروة الأزمة، هذا هو المحرّك الأول لهذه السلوكيات. لكنّ المحرّك الثاني هو عمل المجموعة وتقاسمها مشكلة واحدة ومعاناة واحدة، بذلك يقوى الفرد منها بالآخر ويصبحون فكراً واحداً، وفق حريق. وبرأيها، "استطاع هؤلاء الأشخاص تشكيل قوة فاعلة قد لا تقتصر على خرق المصارف فقط، وبالتالي شكّل سلوكهم أوّل الطريق نحو الانفجار الآتي".
وفي إطار الحديث عن التشدّد في الإجراءت الأمنية أمام المصارف، وتأثير ذلك على الحدّ من هذه السلوكيات، توضح حريق أنّ هذه الإجراءات قد تولّد ردّ فعلٍ عكسياً يدفع بالناس إلى أن يصرّوا على اقتحام المصارف. ورغم إعلان إقفال أبواب المصارف ثلاثة أيام، صرّح الناطق باسم المودعين أنّهم سيقتحمون منازل مديري المصارف. إذن، "الآن لا أعتقد أنّ هذا المسار سيتوقّف، فللإنسان طاقة، وعندما يتحدّاه أحد ما، يزيد من تحدّيه ونصبح أمام العنف، ونحن أمام خطر حالياً".
وبحسب حريق، ما جرى اليوم هو أمر مخطَّط له من كلّ فرد، ويعملون كمجموعة كما يراه علم النفس. كذلك، الإنسان المحروم، لدى رؤية غيره يحصل على ما هو أيضاً من حقّه الحصول عليه، يشكّل لديه حافزاً أيضاً لانتزاع حقّه، ويصبح المبرِّر أمامه، وهذا حافز لعمل المجموعة في علم النفس. والمجموعة في علم النفس الاجتماعي، تتعاطى وتتحدّث كفرد وليس بالضرورة أن يكون لها قائد أبداً. ويفقد الإنسان فيها عناصر التفكير والتوازن واستيعاب المشكلة، ويصبح التفكير في إطار مجموعة دون التفكير في عواقب الأمور، ليتماهى الفرد ضمن مجموعة.
وعن الإجراءت الأمنية التي قد تتّخذها الدولة لحماية المصارف، وإقفال المصارف، ما قد يمنع المودعين من سحب ما يُسمَح لهم به، واحتمال أن يؤدّي ذلك إلى انفجار كبير ليس على مستوى المصارف فقط، "هذا الأمر أكيد"، تؤكّد حريق، خصوصاً بالتزامن مع انطلاق العام الدراسي وما يرافقه من أعباء مادّية كبيرة على الأهالي غير القادرين على تأمين احتياجات أولادهم كما يجب، فالناس بذلك مهيّؤون في هذه الفترة العصيبة من السنة، وقد يشكل ذلك عاملاً إضافياً لتسريع الانفجار.
اقتحامات متأخّرة
"هذه الاقتحامات أتت متأخرة عن مرحلتها الطبيعية"، بحسب الدكتور شوقي عطيّة، أستاذ الديموغرافيا في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية. وهذه السلوكيات منطقية جداً لأشخاص مضغوطين في حياتهم ومعيشتهم ومسلوبة أموالهم. فعندما كانت الأموال "حرزانة" وكانت الثورة في أوجها، لم يتحرّك أحد، بينما الآن، مخزون المصارف نفد.
ولا يشجّع عطيّة على خرق القانون لكن أموال المودعين هي حقوقهم وهم في وضع اجتماعي صعب. كذلك، هناك "تأثير الموجة" الذي نراه في هذه السلوكيات، أي عندما يرى الأفراد أحدهم يقوم بشيء يتأثّر ويقوم به.
وبرأي عطية، هذه "السلوكيات ستشجّع على المزيد منها، إذ لا يمكن أن تصدف 5 عمليات اقتحام في يوم واحد، ونحن نسير نحو الانفجار الاجتماعي، ليس بسبب اقتحامات المصارف فقط، فالجرائم المتفرقة في المناطق والتفلت الأمني خير إنذار، مع الضغط الذي يعانيه الناس".