النهار

فادي الشيخ أب لأربعة أطفال مفقود منذ انفجار التليل... زوجته بانتظار نتائج الـDNA: "أنتظر معجزة"
A+   A-

ذهب لتعبئة البنزين من صهريج الموت ولم يعد. منذ تقاعده من الخدمة في الجيش اللبناني، تسطّر حياة المؤهل الأول المتقاعد فادي الشيخ (49 سنة) من قرية عين تنتا العكارية صورة من معاناة وقهر الشعب اللبناني. أمل ضئيل جداً تتمسّك به الزوجة راغدة، تحميه بالإنكار "أنفجر بكاء، ثمّ أتماسك لأجل أولادنا، ماذا أقول لهم؟ اللحظة الأصعب لم تحن بعد، تلك التي سأراه فيها أمامي محمّلاً. لا أريدها أن تقع. أنا بانتظار معجزة".

من المنتظر أن تصدر اليوم نتائج فحوصات الحمض النووي DNA، بعد خضوع عيّنات من ابنه ومن أخيه للتحليل، لتُعلم العائلة والمحبّين بمصير فادي.

في تفاصيل الليلة السوداء، تروي الزوجة: "اتصل بنا صهري ليُخبرنا بأنّ الجيش صادر خزاناً للبنزين والناس يعبّئون منه. ظننّا أنّ الجيش يقوم بتوزيع البنزين بعد مصادرته الخزان، ولم نكن ندري بتلك الفوضى الحاصلة".

الزوج الذي يمتلك أرضاً اشتراها من جنى عمره، ترك البيت أملاً في الحصول على البنزين لتأمين ريّها، فتوضح زوحته أنّه "عند منتصف الليل، أعطيته مفتاح البوابة وذكّرته بأن يغلقها وراءه حين يعود. حاولت عبثاً الاستسلام للنوم. تواصلت معه على الواتساب لكنه لم يجبني".

تتابع الزوجة واصفة الموقف التالي بلحظات لن تنساها إلى الأبد "عند الساعة الثانية و39 دقيقة، يأتي ابني كريم (10 سنوات) ويوقظني من النوم، سائلاً: أين بابا؟ فأجبته، ربّما هو نائم في خيمة نصبناها في الخارج، بسبب انقطاع الكهرباء المستمر، فلجأ إلى النوم فيها بسبب الجو الحارّ".

وحين سألت ابني: "ألم تجده في الخيمة؟"، أجابني "لا، كنت في سريري، لكنني شعرت أنّ بابا ليس معنا".

برأيها، "أرض فادي التي وضع فيها عصارة سنين خدمته في الجيش، كانت غادرة".

ففادي الشيخ أب لأربعة أطفال هم شذى (14 سنة)، كريم (10 سنوات)، لمى (8 سنوات)، رؤى (5 سنوات). بعد تقاعده من الجيش قبيل اندلاع الثورة، أودع تعويضه في البنك، وعانى الأمرّين في سبيل استعادة فتات أمواله ليقوم بتقسيط هذه الأرض، وزرعها بالأفوكادو والزيتون والليمون والرمان. "كانت سعادته لا توصف بهذه الأرض، لكنني لم أظن أنه سيشقى إلى هذا الحدّ، أو أنه سيُغادرنا باكراً"، تقول الزوجة وهي تجهش بالبكاء.

معاناة هذين الأبوين التي تُشبه معاناة كلّ اللبنانيين، الذين يكافحون في سبيل اللقمة الشريفة، بشعٌ أن تُكافأ بالموت، وفق منطق الزوجة؛ "قبلنا بالغلاء، قبلنا ببهدلة وذلّ البنزين ورغيف الخبز. معاشي وزوجي بالكاد يكفينا لنعيش بكرامة، قبلنا بكلّ شيء... لكن في نهاية الأمر، أن أفقد زوجي بسبب دولة مهملة؟".

تطلق العنان لغضبها "لا أريد لزوجي أن يموت بسبب مجرم يريد تهريب البنزين، ثمّ يُطلق النار على خزّان محاط بالعشرات. قلبي مشتعل. أطالب بأن يعاقب هذا القاتل في وسط ساحة التليل ويكون عبرة لغيره".

عاش فادي صابراً على مصائب صنيع دولة لا مسؤولة، ثمّ رمى بنفسه في الخطر لأجل قوت عائلته. ولا يزال هؤلاء يتعلّقون بأمل أن يكون فادي مفقوداً لا فقيداً.   

 

اقرأ في النهار Premium