من القطاعات التي تأثّرت إلى درجة كبيرة بالأزمة، قطاع استقدام العاملات المنزليات. فبعد أن اعتاد اللبناني من طبقات اجتماعية مختلفة قبل الأزمة الاقتصادية، على استقدام عاملات منزليات، اضطرّ كثيرون للتخلّي عنها مع انهيار الليرة، لعدم القدرة على تسديد الراتب بالعملة الصعبة، ولا على تسديد تذكرة سفرها، ما أدّى إلى تراجع كبير في استقدام العاملات لدى المكاتب.
وبعد مرور 4 سنوات على الأزمة، تنفّس القطاع الصعداء، مع مساهمة المغتربين باستمرار هذا القطاع، من بعيد عبر إرسال الأموال لذويهم، ومن قريب لدى مجيئهم خلال موسم الصيف إلى لبنان. لكن السوق الموازية في هذا القطاع تنعكس سلباً عليه، من خلال ما سيوضحه المقال.
الحركة حالياً بدأت تعود إلى سابق عهدها بعدما انطفأت في عام 2021، حتى إنّ أسعار عقود استقدام العاملات حالياً هي كسابق عهدها. هذا ما تقوله صاحبة مكتب استقدام عمالة اجنبية في بيروت.
وفي حديثها لـ"النهار"، توضح أنّ هناك جنسيات عديدة مُنعت من القدوم إلى لبنان بعد الأزمة مثل الغانية والنيجيرية والبنغلادشية. أمّا الإثيوبية فهي ممنوعة من القدوم إلى لبنان لكن المكاتب تستقدمها بالتهريب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الفلبينية. وأكثر الجنسيات التي تأتي للعمالة المنزلية الآن هي من إثيوبيا وكينيا وتوغو وبنين.
وقد استغنت فئة واسعة من الموظفين العامّين عن العاملات المنزليات منذ بداية الأزمة، حتى اليوم، ما خلا مَن يأتيه بعض الأموال من الخارج أو مَن استطاع البدء بعمل خاصّ، أو بحالات يكون الزوجان موظفَين يتقاضيان رواتبهما بالدولار.
وتؤكّد المتحدثة أنّ الطلب كبير جداً على العاملات "الجاهزات" (أي اللواتي لا يستقدمهنّ الكفيل على اسمه بموجب عقد عمل، ويعمل بشكل غير قانوني)، بسبب قدوم المغتربين الآتين مؤقتاً في الصيف. ويصل سعر أجر العاملة الجاهزة إلى حوالي 800 دولار، ولا يقلّ عن 400 دولار، وهو أجر يتقاسمه المكتب والعاملة.
إلى ذلك، يعاني القطاع من مشكلة هرب العاملات من المنازل، "الذي زاد بعد الأزمة مع تراخي الأجهزة الأمنية والدولة تجاه هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدّد أمن البلاد، وفي الوقت نفسه تكبّد الكفيل والمكتب الخسائر"، وفق إبراهيم، و"منهنّ من يعملن شهرياً أو يومياً دون أوراق قانونية، ومنهن في شبكات الدعارة".
الزعلان أكثر من الراضي
"الزعلان أكثر من الراضي"، بهذه الكلمات تصف سهى (اسم مستعار) صاحبة مكتب عاملات في الجنوب، حركة القطاع. وفي حديثها لـ"النهار"، تؤكّد أنّ الطلب هائل على عاملات المنازل، ليس فقط على مستوى الجنوب بل في بيروت أيضاً، "لكن هناك مشكلة التأخير من البلاد التي تأتي العاملات منها، ولو كان لديّ 30 عاملة متوفرة الآن لوجدت لهنّ طلبات للمنازل فوراً. لذا عادت الحركة بقوّة إلى القطاع".
وبحسب سهى، يعتمد الناس، ولا سيما في الجنوب، على المغتربين على مدار السنة وليس بشكل موسمي، للتزوّد بعاملات للمنازل. وكذلك، فان الموظفين الذين لديهم مصدر تمويل من مغترب خارج لبنان، عادوا ليستعينوا بعاملة في المنزل. وتؤكد أنّه مع بداية الأزمة خفّ الطلب لكن بشكل محدود. وحالياً مع موسم الصيف، زاد الطلب كثيراً على العاملات "الجاهزات".
أمّا عن رواتب العاملات القانونيات، فتبدأ من 150 وصولاً إلى 300 دولار، وفق سهى.
ويعاني القطاع من مضاربات، من داخل القطاع نفسه، ومن خارجه من قِبل العاملات الموجودات بشكل غير قانوني في لبنان، بحيث يجمع من تحدثنا معهم على عدم ملاحقة الأمن العام لهؤلاء العاملات المخالِفات بسبب عدم وجود مكان كافٍ في سجون المديرية.
"تأثّر قطاع استقدام العاملات المنزليات كغيره من القطاعات بسبب ارتباطه مع الدول المصدِّرة للعاملات، بتسديد النفقات بالدولار، من تذاكر سفر وعمولة للمكتب المصدِّر. لذلك، مع بداية الأزمة، كان وضع القطاع كارثياً لكن الآن تحسّن"، بحسب نقيب أصحاب مكاتب استقدام العاملات الأجنبيات، جوزيف صليبا في حديثه لـ"النهار".
لكن بطبيعة الحال، اختفت الطبقة الوسطى التي كانت الزبون الأكبر للقطاع وأصبح التنافس الآن على الطبقة الميسورة. وحالياً، تنشط الحركة في القطاع، لكنّها موسمية بسبب قدوم المغتربين.
ويتركّز الطلب على عاملات المنازل من قِبل الميسورين أو مَن لديهم حالات مرضيّة أو رعاية خاصّة في المنازل، تستدعي وجوب شخص مرافق لها دائماً.
وتبدأ كلفة استقدام العاملة المنزلية إلى لبنان بشكل شرعي من 2000 دولار وصولاً إلى حوالي 6000 دولار.
سوق موازية ومضارِبة
لكن ما هو "ترند" حالياً وفق صليبا، هو "السماسرة" الذين يشغّلون العاملات الأجنبيات الهاربات من المنازل، واللواتي لا يمتلكن أوراق عمل قانونية، و"غالبيتهن يعانين من مشاكل صحّية، عدا عن انضمامهنّ إلى شبكات تستغلهن. فالمنازل في هذه الأيام عبارة عن أموال تحت المخدّات، وإدخال العمالة غير الشرعية يشكّل خطراً". وتُقدَّر أرقام العاملات الأجنبيات غير القانونيات حالياً بحوالي 60 ألف عاملة، بحسب صليبا.
ويبلغ عدد المكاتب المنتسبة الى النقابة 378 مكتباً. وقد أقفل حوالي 35 مكتباً طوعاً بسبب الأزمة، فيما أقفلت وزارة العمل حوالي 80 مكتباً بسبب عدم مراعاة هذه المكاتب المعايير والشروط والقوانين المفروضة.
وعن العاملات "الجاهزات"، يقول صليبا إنّهن "يعملن بشكل غير شرعي وهن خارجات عن إطار المكاتب المنضوية تحت لواء النقابة، ويشكّلن سوقاً موازية، فالمكاتب المرخَّصة والمنتسبة الى النقابة لا تمارس هذه الصفقات، وعليها أن تلتزم بعقود عمل لسنتين بموجب القانون، وإلّا توضع تحت طائلة الملاحقة".