على مدى 6 سنوات كانت لوسيانا تنتظر بشرى من نوع آخر، كانت متلهّفة لسماع نبض في داخلها، وأن يكبر بطنها شهراً بعد شهر قبل أن تلد طفلها الذي لم يأتِ. حاولت مراراً، استشارت أطباء كثيرين إلا أن جميع محاولاتها باءت بالفشل. بكت كثيراً، خيبتها كانت تكبر مع مرور الأيام لأنها لم تتمكن من سماع كلمة "ماما" والركض خلف طفلها في المنزل. كانت متشوّقة إلى تلك اللحظات، وجاء الخبر المفجع ليوقظ هذا الوجع الدفين في داخلها.
لم يكن خبر العثور على طفلين تحت جسر نهر إبراهيم عادياً، حدث صادم توقف عنده كثيرون. كيف يمكن رمي طفلين تحت جسر بهذه الطريقة؟ لم تقوَ لوسيانا على تخطي الخبر، صوتٌ في داخلها يحثها على الاتصال بغية تبني هذين الطفلين، هي المتشوقة لأن تصبح أماً يوماً ما. في هذه السطور، ستروي لوسيانا هيفا قصتها مع محاولة تبني طفل بطريقة غير شرعية ورسالة منها لكل عائلة محرومة حتى لا تقع ضحية أمومة معلّقة.
بدأت القصة يوم عُثر على طفلين تحت جسر نهر ابراهيم، قررت لوسيانا كما روت لـ"النهار" البحث عن طريقة للوصول إليهما، والأهم تقديم طلب لتبنّيهما. "لم أتحمل فكرة أنهما مرميان على الطريق، هذه النعمة التي أنتظرها منذ 6 سنوات متروكة بهذه الطريقة، في حين أن هناك عشرات العائلات التي تتمنى أن يكون لديها طفل يزيّن حياتها" قالت لوسيانا.
اتصلتُ بالأب مجدي علّاوي الذي رفض رفضاً قاطعاً زيارة الأطفال، وقال لي حرفياً "لا يمكنني السماح بالتبني لأنني لا أملك قراراً قضائياً من محكمة الأحداث، ولست المخول في مسألة التبني وعلينا العودة إلى الجهة المختصة بذلك".
لقد شكّل جواب الأب علاوي صدمة كبيرة، كما تصف لوسيانا: "كنتُ متعبة جداً وأبكي بحرقة. كانت لحظات صعبة. ولكن ما جرى بعدها قلبَ حياتي، ما إن دخلتُ إلى المنزل حتى تلقيتُ اتصالاً على "المسنجر" (فايسبوك) من صفحة تحمل اسم الأب مجدي علاوي مع صورة له تجمعه بابنه الراحل، مؤكداً لي أنه سيساعدني وأنه سيقف إلى جانبي في مسألة التبني. لقد صدقته من حرقة قلبي ولهفتي لرؤية الأطفال وضمهم إليّ، وافقتُ على المضي بكل الخطوات المتوجبة حتى يصبحا معي".
تعترف لوسيانا أن ما فعلته كان غباءً منها، "لقد صدقت الشخص الذي انتحل صفة الأب علاوي، لعبت الصدفة دورها في اليوم نفسه، ما جعلني أصدق أن الأمر قد يكون حقيقة فعلاً، ولم أتوقع أن أتعرض لعملية نصب من خلال الابتزاز العاطفي واستغلال المشاعر".
ومن الاتصال إلى الحديث عبر الواتساب، أكدت لوسيانا للمتصل "أنها مستعدة لدفع كل المبلغ المطلوب لإنهاء الاجراءات القانونية شرط الحصول على الطفلين. طلب مني حوالى 3000 دولار لكني قلتُ له إنني لا أملك هذا المبلغ، ومن ثم اتفقنا على 2500 دولار تدفع منه دفعة أولى قدرها 1200 دولار. لم أشك بالموضوع، كان يتحدث بلغة إنسانية وكلمات روحانية، وبرغم من تحذير زوجي منه إلا أنني كنت واثقة أنه صادق باعتبار أنه الأب مجدي أعرف انسانيته".
انتقلت المحادثات إلى خطوة أكثر جدية حيث كان على لوسيانا إرسال أول دفعة عبر "OMT" باسم عيسى علي نعمان قبل أن تستلم الأطفال، والسبب أن شربل مساعد الأب لديه واجب عزاء. ووفق لوسيانا "أرسل لي الشخص صورة للأطفال تبين أنها مأخوذة من الانترنت، وفي اليوم التالي الذي كان من المقرر استلام الأطفال، أرسلت لوسيانا صورة عن الوصل بالمبلغ المطلوب إلى رقم الأب مجدي على الواتساب لتكتشف أنها وقعت ضحية منتحل صفة سرقها واستغل مشاعرها لكسب المال".
منذ إرسال صورة عن فواتير الدفع بمبلغ 1500 دولار حتى بدأت تتكشف خيوط عملية النصب التي قام بها المدعو عيسى نعمان. في البداية لم يفهم الأب مجدي حقيقة ما يجري، فأطلعته لوسيانا على كل ما جرى وأرسلت له كل الصور والمحادثات والصفحة التي تواصل من خلالها المدعو عيسى معها، لنكتشف أننا أمام منتحل صفة يسرق الناس باسم الأب مجدي.
لم تتوقف لوسيانا عن البكاء طوال الحديث، كانت تبكي بحرقة على كل ما تعرضت له، تؤكد "لستُ أبكي على المال الذي أمّنته بهدف التبني، وإنما أبكي على الحلم الذي عشته لأيام قبل أن أتعرض لصفعة قوية وخيبة لا توصف".
تعترف لوسيانا أنه كان عليها أن تسلك درباً قانونياً للتبني، لكن صفحة الأب مجدي والتواصل معها جعلها تحلم أن الأمر قد يتحقق بطريقة أخرى. لقد وقعتُ في الفخ ولا أريد أن يعيش أي شخص ما مررتُ به. كنتُ أفكر فقط في تبني الأطفال وكان خطأي أنني لم أقابل الأب شخصياً، لذلك أنصح كل شخص يريد التبني أن يرافقه محامٍ وأن يسلك درباً قانونياً حتى لا يقع ضحية كما حصل معي. لا يهمني شيء، ما يؤلمني حقيقة أنني مجروحة من الداخل، وهمي كان أن يكون لديّ أولاد".
خضعت لوسيانا إلى ثلاث عمليات تلقيح وعملية زرع وباءت جميعها بالفشل. استفدت محاولاتها تعباً نفسياً بالإضافة إلى التكلفة العالية، وجاءت فكرة التبني بعد أن شاهدت الطفلين مرميين تحت جسر نهر ابراهيم، ولكن حتى فكرة التبني لم تنجح "الوجع كبير، لم يخطر ببالي أن كل ذلك كان كذباً".
في المقابل، هزت فضيحة جمعية "قرية المحبة والسلام" الرأي العام وأُقفلت بالشمع الأحمر بعدما تأكدت المحكمة من الجرائم التي ارتكبتها الجمعية ممثلة بمديرتها. علماً أنها ليست الجمعية الوحيدة التي يتقرر إقفالها في الفترة الأخيرة. وكشفت رئيسة اتحاد حماية الأحداث في لبنان أميرة سكر في حديث سابق لـ"النهار" أن جمعيات كثيرة أقفلت بقرارات قضائية بعيداً من الضوء والإعلام في غير منطقة منعاً للتشهير. وجرى نقل أطفال كانت تحتضنهم إلى جمعيات أخرى ولوحق المسؤولون عنها جزائياً. وسرى أن الجمعية التي أقفلت الأسبوع الماضي باعت ولدين إلى عائلتين غريبتين. وثمة شبهة تعزز الإقدام على تسليمهما لقاء مبلغ مادي سيبين حقيقتها التحقيق. وإن صحّت فهي تعرّض الموقوفة لعقوبة جنائية. ولا يُعفى المدعى عليه من هذه العقوبة الا في حال ثبوت تبنٍّ للولدين من دون بدل مادي ووفقاً للأصول. وفي السياق جرى التحقيق مع أحد المخاتير بشبهة تسهيل هذه العملية.
وأشارت سكر إلى أن "وزارة الشؤون الاجتماعية اتخذت قراراً بمنع التعاقد مع ميتم بقاعي وجمعية رعاية ومنعت تحويل أحداث إليهما، وسحبت التراخيص المعطاة لهما، كما جرى إقفال مركز رعائي في فالوغا. وتروي أن إحدى الجمعيات أقفلت بعد رسائل من الفاتيكان وحضور قاض أميركي لمتابعة القضية الناتجة عنها وصدر حكم في حق أصحابها".
هذا ما نعرفه، والخوف مما لا نعلمه والذي ما زال يواصل بيع واستغلال الأطفال بصمت وبالخفاء. نحتاج اليوم إلى تكثيف التوعية وزيادة التحركات الأمنية لكشف وتوقيف كل شبكات الإتجار بالبشر، "أطفالنا ليسوا للبيع والاستغلال".