" غسل العار"، "جريمة شرف"، مصطلحات تعود مجدداً لتنتهك مساحة الشاشات والمواقع الالكترونية لتبرير الجريمة الوحشية التي ذهبت ضحيتها امرأة جديدة. اسمها زينب زعيتر، 26 عاماً، قُتلت على يد زوجها حسن موسى، بثماني رصاصات لتشوه جسدها الطري. قُتلت وهناك من يُبرر فعلته ويتحدث بالملأ عن العار والشرف والعائلة.
على الرغم من إلغاء جريمة الشرف بقانون تقدّم به النواب عام 2010 وأقرّ في مجلس النواب عام 2011، ما زلنا نسمع اليوم أن ما حصل هو جريمة شرف.
أي شرف وابنة الـ26 عاماً تسبح بدمائها وتلفظ أنفاسها، مخلّفة وراءها 3 أطفال؟ عن أي عار نبحث ولم يُسمح لزينب أن تدافع عن نفسها وأن تكون مادة اعلامية وجدلية حتى بعد وفاتها؟ عن أيِّ مبرّر نسلّط الضوء ونحن نعرف أن الجريمة جريمة، ولا عذر يخفف من وطأة بشاعتها؟
أكان يمكن أن يكون السيناريو مخالفاً لما جرى؟ ألم يكن الحل سوى انهاء حياتها بهذه الطريقة؟ تكتُّم كبير يلف هذه الجريمة، الحديث بالثأر سرعان ما تلاشى بين العائلتين ليتداول آخرون فيديو يظهر شقيقها يتحدث عن "غسل العار"، قائلاً: "إلّي عمله حسن أني كنت بدي أعمله، هو دقلي عالتلفون كنت أنا جايي، هو يلي عمله قبلي، وصار يلي صار."
الرواية الأمنية ما زالت غير مكتملة التفاصيل، بما أنّ الجاني ما زال متوارياً عن الأنظار. لا يمكن تأكيد أيّ رواية، إلا أن الضحية تُقتل مرة أخرى أمام كل الروايات المتداولة التي يتناقلها الناس. أخبار متناقضة في انتظار أن تكشف ملابسات هذه الجريمة والدوافع الرئيسية لارتكابها.
المنطقة في حالة غليان، وصمتٍ مريب، لا أحد يتحدث عمّا جرى في العلن، وحدها الجدران الأربعة التي كانت تأوي زينب وأودلاها تعرف حقيقة ما حصل في ذلك المنزل.
وما يزيد من الوجع، أنه بعد ارتكاب كل جريمة بحق المرأة، تتوالى الأسباب التبريرية وعلى رأسها "جريمة الشرف" او "اضطرابات عصبية"، حتى يخرج الجاني كـ"الشعرة من العجينة" فيما تكون المرأة تحت التراب مدفونة بجريمة وحشية لا تنتسى.
تعددت الروايات المتناقلة وأكثرها تدوالاً أن اتصالاً ورد من مجهول إلى زوجها يُفيده أن زوجته تخونه، كان كفيلاً في اشعال نار الشك والغضب، حيث توجه حسن إلى منزله الزوجي ليقتل زوجته زينب برصاصات غادرة أمام أولاده.
زينب واحدة من عشرات النساء الضحايا اللواتي دفعن ثمن هذا العنف حياتهن، إذ بلغت الجرائم التي رصدتها "كفى" عام 2022 حوالى 18 جريمة قتل (العنف الزوجي) فيما سجّل العام 2023 ست جرائم قتل من دون احتساب جريمة زينب.
علماً أنه في دراسة سابقة صدرت عن منظمة "كفى" تشير إلى حدوث 66 "جريمة شرف" في الفترة بين 1999 و2007.
توضح المحامية في جمعية "كفى" ليلى عواضة لـ"النهار" أن جريمة الشرف أُلغيت من القانون، إلا أن التعاطي الاجتماعي من رجال الأسرة كأوصياء على النساء وتصرفاتهن، ما زال قائماً وموجوداً. وبالتالي أي امرأة تصبح ملكية للرجل والتعاطي معها على هذا الأساس يدفعه للتصرف معها بالطريقة التي تناسبه، ويرفض أن يطلقها حتى لو طلبت ذلك. كما يمكنه أن يحرمها من أولادها أو حتى يقتلها في حال قررت الرحيل. وكل ذلك سببه تكريس الوصاية على النساء التي تعتبر الأحوال الشخصية مصدرها.
زينب ككثير من السيدات كانت رافضة أن تبقى في علاقة زوجية ولا يمكنها الطلاق في حال لم يوافق الزوج، وهي اليوم أصبحت ضحية بقرار من الزوج الذي يفرض عليها إما البقاء معه أو إنهاء حياتها".
وتعليقاً على هذه الجريمة الوحشية، غردت منصة "شريكة ولكن" على تويتر "وفي الوقت الذي صمتت فيه الضحية الى الأبد بعد دفنها في مقبرة "حيّ السلم"، انطلقت وكما جرت العادة في جرائم قتل النساء جوقة التبرير المجتمعي للمجرم بحجة أنه "يُعاني منذ زمنٍ طويل من اضطرابات عصبيّة عدّة، لم يتحمل تلقيه لاتصال من مجهول يفيده عن خيانة زوجته له".
لكن على ما يبدو ما زالت النمطية الذكورية تتحكم ببعض الرجال، وزوج زينب المتواري عن الأنظار أكبر دليل على ذلك. وما دامت المحاكم الدينية تتمتع بالسلطة ستبقى النساء عرضة للاساءة والعنف والقتل وافلات الجاني من العقاب. حسن ارتكب جريمته في دولة غائبة، وهرب مع أولاده الثلاثة، ولكن للقضية تتمة!