في 27 حزيران 2019 قُتلت المفتش الجمركية رنا بعينو، وبعد 4 سنوات تحوّلت قضيتها من جريمة قتل أودت بحياتها إلى التسبّب بالوفاة. لم يكن أحد يتوقع أن يتحوّل المسار من الاتهام بالقتل إلى التخفيف من وطأة الحكم، وخروج الزوج المتّهم بعد صدور حكم محكمة الجنايات.
وجاء في القرار الصادر بالإجماع اعلان براءة المتهم شربل نقولا البير، من جناية المادّة 547 من قانون العقوبات لعدم كفاية الدليل وتجريمه بجناية المادة 550 من قانون العقوبات، وإنزال عقوبة الأشغال الشاقة في حقّه لمدة 5 سنوات، على أن تُحتسب له مدّة احتجازه، واطلاق سراحه فوراً لثبوت انقضاء محكوميّته ما لم يكن موقوفاً لداعٍ آخر.
كما جاء في الحكم إلزام المحكوم شربل البير بتسديد مبلغ 6 مليارات ليرة لبنانية نقداً إلى المدعية تريز عيّاض، بالإضافة إلى تغريم المتهم الرسوم والنفقات كافة، وردّ سائر الأسباب الزائدة أو المخالفة.
وتعليقاً على القرار، يؤكّد جوزيف بعينو والد الضحية في حديثه لـ"النهار"، "أنّنا لم نتوقع صدور مثل هذا القرار، وأطالب بعودته إلى السجن وإكمال العقوبة الكاملة وهي 20 عاماً. ولكن يبدو أنّ الدفع ماشي وقد دفع 300 ألف دولار، وأطالب بإعادة التحقيق من جديد".
وأشار إلى "أنّنا لا نريد مالاً، وقد عرض عليّ سابقاً مبلغ 100 ألف دولار لدفن ابنتي من دون ضجة ورفضت. لذلك أتفهّم بذلهم كلّ الجهود والمساعي لإخراج ابنهم من السجن، ولكن ما أطالب به إعادة التحقيق وعدم طيّ صفحة ابنتي إلى الأبد".
كانت الأدلة حاضرة بقوّة في الملفّ، تقارير الأطباء الشرعيين أيضاً، ومع ذلك لم يؤخذ بكلّ هذه الوقائع في عين الاعتبار، وقد تمّ التغاضي عن بعضها، لأسباب ما زالت مجهولة وغير معروفة، إلّا أنّ نتيجتها واحدة، وهي إصدار قرار مغاير للقرار الظنّيّ الصادر في قضية الضحية رنا بعينو.
في تموز، صدر قرار محكمة الجنايات الذي شكّل صدمة عند عائلة الضحيّة والمتابعين لقضيّتها. وتتحدّث المحامية والشريكة المؤسّسة في جمعية "كفى" ليلى عواضة "أنّنا لم نتوقّع صدور قرار مماثل، خصوصاً أنّ القرار الظنّي اتّهم الزوج بالقتل القصدي واستند في قراره إلى دلائل موجودة في الملفّ (تقارير طبية وأدلة أخرى)، والتي أشارت إلى أنّ القتل القصدي متوفّر".
وتضيف عواضة "تفاجأنا بالقرار وإهمال بعض الأدلة وتغيير بالوصف أدّى إلى تبدّل القناعة في محكمة الجنايات. ونتيجة ذلك، يبدو لافتاً التفاوت الكبير بين القرار الظني وقرار محكمة الجنايات، خصوصاً أنّ كلّ الأدلة تؤكّد عدم وقوعها من السيارة، حتّى تقرير طبيبة المستشفى تشير إلى أنّ ثيابها كانت نظيفة وغير ممزّقة ما يدحض فكرة وقوعها من السيارة".
وعليه، ترى عواضة أنّه "من الواضح أنّ القتل حصل داخل السيارة، وكان ذلك واضحاً سواء في القرار الظنّي أو بالوقائع المتوفّرة في الملفّ. لذلك جاء قرار محكمة الجنايات مفاجئاً، رغم وضوح التقارير الطبية وكلّ الأدلة المتعلقة بمقتلها، وأنّ الضرب بآلة حادة على رأسها من الجهة اليسرى (أي من جهة السائق) هو الذي تسبّب بالنزيف الداخلي في الدماغ وبتفاقم الوضع الصحي الذي أدّى إلى الوفاة. وعليه، كان جليّاً أنّ العنف الذي تعرّضت له من قبل الزوج (الذي كان يقود السيارة) تسبّب لها بكلّ الكدمات والأضرار الجسدية، خصوصاً أنّ كلّ آثار الضرب كانت من الجهة العليا للجسم ولم يكن هناك أيّ خدش من الجهة السفلية".
الضحية.
هذا وكان خمسة أطباء شرعيين كشفوا على الجثة خلال مراحل مختلفة، وأجمعوا على أنّ سقوط رنا من السيارة وهي تسير بسرعة 30 كيلومتراً لا يُمكن أن يُفسّر حدوث كلّ هذه الإصابات وآثارها على جسدها.
كذلك تشير عواضة إلى "إهمال بعض الأدلة، ومنها دليل السكين الذي كان مضرّجاً بالدم ولم يكن هناك تبرير واضح لوجوده في السيارة، بالإضافة إلى الأدلة الثابتة (تسجيل صوتيّ) حول عرض مبلغ 100 ألف دولار على عائلة الضحية لدفنها من دون ضجة. أضف إلى تضارب أقوال الزوج خلال التحقيقات، كلّ هذه الأسباب تدفعنا إلى استغراب قرار محكمة الجنايات، فالوقائع المتوفّرة في الملفّ لم تجعلنا نتوقّع هذه النتيجة".
وفي المحصّلة، توضح عواضة أنّه "تمّ تقديم تمييز من النيابة العامة في الحقّ العام بمسألة العقوبة، وقامت هذه الأخيرة بدورها في انتظار ما ستؤول إليه الأمور لاسيّما في ظلّ اعتكاف القضاة وأوضاع البلد. وما نعرفه اليوم أنّه تمّ اخلاء سبيل الزوج المتّهم".