لم يكن ليل مخيّم عين الحلوة أمس مختلفاً كثيراً عن كل الليالي والنهارات التي كانت جحيماً، وبالأخص على سكّانه المدنيّين العزل، وإلى حدّ ما على جيرانه في صيدا والغازية وحارة صيدا ومغدوشة، وكل العابرين على الطرق العامّة المجاورة وخصوصاً طريق صيدا -الجنوب منذ تجدّد الاشتباكات العنيفة والمدمّرة للبشر والحجر التي حصلت منذ أسبوع على خلفيّة رفض المتّهمين بحادثة اغتيال مسؤول قوات الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا اللواء أبو أشرف العرموشي مع مرافقيه الأربعة في 30 تموز الفائت وجميعهم من العناصر الإسلامية المتشدّدة، وعدم تمكّن كل الفصائل والقوى السلامية في المخيّم من توقيفهم استناداً إلى نتائج لجنة التحقيق الخاصّة بالحادثة والتي حظيت بإجماع فلسطيني ولبناني.
الصور والفيديو بعدسة الزميل أحمد منتش:
وعلى الرغم من القرارات العديدة التي صدرت عن جميع المسؤولين المعنيّين بالوضع الأمني في المخيّم بضرورة تثبيت وقف إطلاق النار، فإن الاشتباكات بين طرفي الاقتتال حركة "فتح" والجماعات الإسلامية المتشدّدة، تواصلت بضراوة طوال ساعات بعد ظهر أمس وساعات الليل، على كل المحاور وخصوصاً على محور حطين والطيري ورأس الأحمر وجبل الحليب ومحور البركسات، بستان اليهودي والطوارئ ومحلّة تعمير عين الحلوة التحتاني. واسُتخدمت فيها كالعادة مختلف القذائف الصاروخية والأسلحة الرشاشة المتوسطة والخفيفة. وتخطّى الرصاص وبعض القذائف حدود المخيّم وانفجر في ضواحي صيدا، والغازية ومحيط ثكنة محمد زغيب على طريق حارة صيدا، الأمر الذي أدّى إلى شلّ الحركة في كل المنطقة المحيطة والمجاورة لأطراف المخيّم.
مقتل مسؤول وعنصر في التيّار الإصلاحي في "فتح"
وفي حادثة هي الأولى من نوعها، اتّهم بيان للتيّار الإصلاحي في حركة "فتح" الذي يتزعّمه عضو اللجنة المركزية السابق في فتح محمد دحلان مجموعة مخترقة في قوات الأمن الوطني التابعة لـ"فتح" باغتيال المسؤول العسكري في التيّار خالد أبو النعاج مع أحد العناصر ويُدعى محمد بلال عويد. وأكّدت مصادر فلسطينيّة أن مقتل أبو النعاج حصل خلال محاولة مجموعة من قوات الأمن الوطني التقدّم باتّجاه حي حطين لمحاصرة مجموعة من الإسلاميين المتشدّدين، وذلك من خلال الالتفاف عليها عبر حي الصفوري الذي تتواجد فيه مجموعات تابعة للتيّار، والتي رفضت مرور مجموعة قوات الأمن الوطني ممّا أدّى إلى إطلاق النار.
وأوضحت المصادر أنّ مسلّحي التيّار في عين الحلوة بقيادة محمود عبد الحميد عيسى الملقب بـ"اللينو" والذي كان سابقاً مسؤولاً عن ميليشيا حركة "فتح" قبل انضمامه إلى التيّار، استطاع منذ بداية اندلاع الاشتباكات داخل المخيّم تحييد حي الصفوري عن الاشتباكات والوقوف على الحياد.
وليل أمس، أُطلقت لأول مرّة في سماء المخيّم قنبلة مضيئة أنارت أحياءه لبعض الوقت.
وأفادت مصادر المستشفيات وهيئات صحيّة ومصادر فلسطينيّة بأنّ الاشتباكات الأخيرة اسفرت حتى الآن عن سقوط 9 قتلى، نقل 6 منهم إلى مستشفى الهمشري على طريق الميّة وميّة، بينما نُقل القتيل السابع إلى مستشفى الراعي في الغازية، إضافة إلى قتيلين من التيّار الاصلاحي. كما سقط 24 جريحاً إصابة بعضهم خطرة، ما يرفع حصيلة الاشتباكات منذ اندلاعها إلى 17 قتيلاً ونحو 150 جريحاً.
واعلن مسؤول وحدة الإسعاف والطوارئ التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني زياد أبو العينين عن إصابتين من وحدة الإسعاف والطوارئ التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني.
كما أفيد عن إصابة سيّارة إطفاء للدفاع المدني في صيدا بالرصاص أثناء قيام العناصر بإطفاء حريق قريب من ثكنة محمد زغيب العسكريّة واقتصرت الأضرار على الماديّات.
وأدّت الاشتباكات إلى موجة نزوح جديدة من المخيّم.
وكان لافتاً التصريح الذي أدلى به القيادي في حركة "حماس" موسى أبو مرزوق، بعد ساعات على لقائه عضو اللجنتين التنفيذية والمركزية في حركة "فتح" عزام الأحمد، والذي اعتبر فيه أنّ "ما يجري في مخيّم عين الحلوة الآن هو تدمير للمخيّم تحت عنوان محاربة الإرهاب، ولكن بدون نتائج حقيقيّة تُذكر، وحاولنا جاهدين مساعدة من هو في مأزق ولكن التعهّدات التي قُطعت لنا بلا معنى".
ووجّهت مدير عام الأنروا في لبنان دوروثي كلاوس نداءً جديداً إلى جميع الأطراف في مخيّم عين الحلوة لوقف إطلاق النار وإعطاء الأولوية للسلام.
وقالت: "أعمال عنف غير مسبوقة تدمّر عين_الحلوة، أكبر مخيّم للاجئين الفلسطينيّين في لبنان. ويهرب السكان دون أن يجدوا مكانًا يلجأون إليه. في خضم الأزمة المالية، أصبحت قدرة "الأونروا " على إعادة الإعمار مرهقة. نداء عاجل لجميع الأطراف: وقف إطلاق النار وإعطاء الأولوية للسلام" .
الجهاد" و"حماس" ترفضان الاشتباكات في مخيّم عين الحلوة
استقبل أمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد النخالة، بحضور رئيس دائرة العلاقات العربية والدولية عضو المكتب السياسي إحسان عطايا، وفدًا قياديًّا من حركة المقاومة الإسلامية "حماس" برئاسة نائب رئيس الحركة في الخارج وعضو المكتب السياسي موسى أبو مرزوق، ضم: رئيس دائرة العلاقات الوطنية في الخارج علي بركة، وممثل الحركة في لبنان أحمد عبد الهادي.
وقد توقّف الجانبان عند "خطورة ما يجري في مخيّم عين الحلوة من اشتباكات مستنكرة أدّت إلى وقوع العشرات من القتلى والجرحى من أبناء المخيّم والجوار، وتدمير المنازل والممتلكات، وتهجير أهلنا الشرفاء، وتعطيل حياة الناس والإضرار بمصالحهم، وإقفال المدارس والمؤسّسات"، وأكدا على الآتي:
- ما يجري من اقتتال هو ضدّ إرادة الشعب الفلسطيني، ولا يخدم إلا العدو الصهيوني والمشاريع المشبوهة التي تستهدف المخيّمات الفلسطينية، من أجل شطب قضية اللاجئين، وتمرير مشاريع التهجير والتوطين المرفوضة جملة وتفصيلاً.
- استمرار الاشتباكات يستهدف الحالة الوطنية الفلسطينية في المخيّمات، ويستهدف الأمن والاستقرار في لبنان، ويضرّ بالمصلحة الوطنية والقضية الفلسطينية.
- ندين أي اقتتال داخلي من أيٍّ كان، فإننا نطالب الجميع بوقف فوري لإطلاق النار، وندعو قوى المقاومة الفلسطينية إلى رفع الغطاء عن كل المتورطين في هذه الاشتباكات، وإلى رصّ الصفوف وتوحيد الموقف الفلسطيني في مواجهة العدو الصهيوني وحده.
- ضرورة توقيف المتورطين في الجرائم، وتسليمهم إلى الجهات اللبنانية المختصّة، لا يبرّر ما يجري من تهديد للسلم الأهلي في المخيّم والجوار، ولا يمكن أن يكون على حساب مخيّماتنا وشعبنا وأشقائنا اللبنانيين".
إلى ذلك، تفقد قائد #الجيش العماد جوزاف عون لواء المشاة الأول، إذ زار قيادة اللواء في ثكنة محمد زغيب - صيدا واجتمع بالضباط والعسكريين واستمع إلى إيجاز حول المهمات المنفذة في ظل الاشتباكات الدائرة داخل مخيم #عين الحلوة.
ونوّه العماد عون بصمود العناصر واحترافهم وتضحياتهم في أداء الواجب، بخاصة خلال الظروف الاستثنائية الحالية في قطاع مسؤولية اللواء.
وفي شأن متصل، وبعد الضجّة التي أُثيرت قبل أيام حول تجمّع عشرات الشبّان من قرى صيدا والزهراني طوال ساعات النهار والليل أحياناً، عند كوع سيدة المنطرة في مغدوشة، المطلّ مباشرة على مخيّم عين الحلوة، لمشاهدة سير الاشتباكات، وبعد تحرّك قوى الأمن الداخلي في مخفر مغدوشة ووضع شريطين أصفرين لقطع الطريق المؤدّية إلى الكوع الأول من جهة درب السيم المدخل الغربي للبلدة والثاني من جهة البلدة ومقام سيدة المنطرة المدخل الشرقي لمغدوشة، بحراسة من عنصرين، ما لبثا أن غادرا المكان، حتى عاد العديد من الشبّان إلى الكوع متخطيّن الشريط وخاصّة من الجهة الغربية، وبعد ذلك قامت القوى الأمنية بإقفال الطريق إلى الكوع عبر وضع كميّة من الحجارة الكبيرة على الطريق ومن الجانبين.
الفضوليّون تجاوزوا الحجارة بدراجاتهم الناريّة وسيراً على الأقدام
وكان لافتاً أن الفضوليّين ونتيجة لعدم وجود أي عنصر من القوى الأمنية في المكان الذي قُطعت فيه الطريق بالحجارة، عادوا إلى الكوع إمّا سيراً على الأقدام وإمّا عبر درّاجاتهم النارية، وتجمّعوا كعادتهم في نفس المكان المطلّ على المخيّم، مما حدا ببلديّة مغدوشة وبتوجيهات من رئيسها رئيف يونان إلى إصدار البيان الآتي: "تأسف بلدية مغدوشة لعدم التزام المواطنين بتعليمات وتحذيرات القوى الأمنية، إذ لا يزال بعض الشبان يتوافدون من القرى المجاورة ويتجمهرون عند مدخل كوع سيدة المنطرة لمشاهدة الاشتباكات والأحداث في مخيّم عين الحلوة. أمام هذا النموذج من الجهل والفلتان تعلن بلدية مغدوشة عدم مسؤوليتها عن أي حادث قد يتعرّض له هؤلاء الشبان بتصرّفهم الطائش وتضع الموضوع مجدّداً في عهدة الأجهزة الأمنيّة التي لا تتوانى في كل مرّة عن اتّخاذ كافّة الإجراءات لمنع هذه الظاهرة. إن بلدية مغدوشة تدعو أهل البلدة إلى الاستمرار في توخّي الحذر والابتعاد عن الشرفات المطلّة وعدم التواجد في الطرقات والساحات نظراً لاستمرار تساقط الرصاص الطائش وتتمنّى عليهم التصرّف بحكمة حفاظاً على سلامة الجميع".
ويبقى السؤال لماذا تغضّ القوى الأمنية النظر عن ما يحصل ويتكرّر، مع العلم أنّ الأمر لا يحتاج إلّا لوجود عنصر واحد على مدخلي البلدة قبل كوع السيدة من الجهتين، أو أقلّه تسيير دوريّة، بين وقت وآخر وتوقيف كل شخص يتخطّى الشريط الأصفر الذي يفترض أن يفي بالحاجة بدلاً من وضع حجارة كبيرة قد تسبّب الضرر للعابرين بسيارتهم من خارج المنطقة.
وصباح اليوم، أفادت غرفة "التحكم المروري" بأّنه تم قطع السير من الأتوستراد الشرقي صيدا وأوتوستراد الغازية وتحويله إلى الطريق البحرية".