بعد أسبوع كارثي شهد فيه العالم العربي جرائم قتل النساء، خرجت مديرة مكتبة "برزخ" فاطمة فؤاد عن صمتها بعد نحو عامين من تعرّضها لاعتداء جنسي.
في موازاة إشكالية الأوطان الغير آمنة للنساء، بدت مواقع التواصل مكاناً أكثر جدوى للبوح من اللجوء إلى الهيئات الرسميّة والقانونيّة المعنيّة.
تنضمّ شهادة فاطمة إلى غيرها من الناجيات اللواتي خرجنَ عن صمتهنَّ مفصحات عمّا تعرّضنَ له من تحرّش أو اغتصاب.
أرفقت فاطمة ملخّصاً لشهادتها التي نشرتها على "فايسبوك" جاءَ فيه: كنت أعمل مديرة لمساحة ومكتبة "برزخ" في منطقة الحمراء ضمن بيروت، بين ديسمبر/كانون الأوّل 2019 ومارس/آذار 2020. ليلة رأس السنة، نظّمنا الحفلة الافتتاحيّة لـ"برزخ" بالتعاون مع فريق "معازف" وBallroom Biltz بعنوان "تسقط الـanxiety"، قام بإحيائها 12 موسيقياً/ة من المشهد العربي، من بينهم المدعو ب. س. (فلسطيني-أردني) والمدعوّة آ.م (مصريّة)، اللذان قاما بالاعتداء عليّ عبر تخديري رغماً عنّي واغتصابي، وذلك بتاريخ 31/12/2019".
تفاعل الناشطون كثيراً مع فاطمة داعمين جرأتها وطالبوا بمقاطعة مساحة "معازف" التي من المرجح أنها علمت بالاعتداء ولم تتحرك، ما يظهر تفاعلاً عملياً في تعامل الرأي العام مع قضايا الناجيات. وفي ظلّ الاتّهامات التي طالت إدارة مؤسّسة "معازف" ومع الضغط الكبير من الناشطين، أعلنت مؤسّسة الصندوق العربي للثقافة والفنون – آفاق عن فضّ الشراكة مع "معازف" فوراً وإنهاء دورها في تنظيم الحفل الذي يجري الإعداد له في 16 تموز/يوليو في بيروت. لكن يبقى السؤال الأهمّ ماذا بعد البوح بشهادات التحرّش والاغتصاب؟ على من يجب التحرّك وماذا يجب أن يحصل؟
"اللجوء لمنصّات التواصل ليس كافياً"
توضح المحامية في جمعيّة "أبعاد" دانيال الحويّك أنّ الحلّ يبدأ وينتهي باللجوء إلى القضاء، وأنّ اللجوء إلى منصّات التواصل الاجتماعي مهم للتوعية وتشجيع الناجيات لعدم الرضوخ لكنّه غير كافٍ. لا تخفي حويّك حقّ الناس في عدم الوثوق بالقضاء في الكثير من الأحيان، فواقع القضاء والبطء في المحاكمات شبيهان بما يشهده البلد من انهيارات.
عن دور الجمعيّات، تقول الحويّك: "نساعد الناجيات باللجوء إلى القضاء من خلال المساعدة بتوكيل محامٍ أو تأمين مركز إيواء أو تقديم دعم نفسي، إلّا أنّ الدور الأكبر يبقى للقضاء. كما أن عدم وجود عقوبات رادعة يمكن أن لا يشجّع المعرّضات للّجوء إلى القضاء، إلّا أنّنا نشجّع كافّة الناجيات على الموضوع رغم بطء الإجراءات".
وتضيف: "في ما يتعلّق بقانون التحرّش الذي صدر عام 2021، يطبّق بشكل لا بأس بهِ ويتناول العديد من قضايا التحرّش. لكن العبرة بتطبيقه الدقيق ونحن سعينا جاهدين لإصدار هذا القانون، وعلى صاحبة العلاقة أن تلجأ شخصيّاً للقضاء".
لونا صفوان: طريق الكفاح طويل جدّاً
تعيد قضيّة فاطمة فؤاد إلى أذهاننا قضيّة النّاجية الصحافيّة لونا صفوان وزميلاتها اللواتي ادّعين على الصحافي جعفر العطّار بتهمة التحرّش الجنسي. ترى صفوان أنّ هذا الشهر كان مليئاً بأحداث سلبيّة تطال المرأة في العالم العربي والعالم، وشكّل خيبة للمدافعين عن حقوق المرأة والفئات المهمّشة. وتضيف: "تلقّينا جميعنا صفعة بعد خروج قضيّة فاطمة إلى العلن، أشعر بأنّ المساحات الآمنة تضيق أكثر وأكثر. التأثير محبط فعلاً، لكنّه يدفعنا أكثر لمواصلة النضال. للتضامن مع الناجيات أهميّة كبيرة، إلّا أنّ الأهم هو الاستمرار في التوعية تجاه هذا الموضوع".
وعن اللجوء إلى القضاء، تعلّق صفوان: "نحن الناجيات لم يكن لدينا أيّ إيمان باللجوء إلى القضاء في البداية، عندما ظهرنا على الإعلام ومواقع التواصل تحرّكت النيابة العامّة واتّصل المخفر بنا لفتح ملف بحقّ المتّهم". وتردف: "القضاء لا يأخذ في الاعتبار أنّ بعض الأشخاص غير جاهزين نفسيّاً للإعلان عن الموضوع لحظة وقوع حادثة الإغتصاب أو التحرّش، كما أن مشكلة غياب الأدلة مع مضي الوقت تعتبر عائقاً أمام لجوء ناجيات الى القضاء... بيكبر قلبي وقت صبيّة تحكيني ساعدها بموضوع تعرّضت له، وبنفس الوقت توضع عليّ مسؤوليّة كبيرة. طريق الكفاح طويل جدّاً". تختم الصحافيّة اللبنانية بهذه العبارة، مع التشديد على الوصمة الاجتماعيّة "المخيّبة" التي يضعها المجتمع على الناجيات.
فاطمة فؤاد ومن قبلها لونا صفوان وترايسي يونس ورنا عبّاس... قرّرن المواجهة وعدم الرضوخ لتنميط المجتمع الذكوري، إلّا أنّ المئات لم تخرج قصصهنّ إلى العلن بعد. قد يكون بعضهنّ مات من التعدّيات الجنسيّة المتكرّرة ولا سيّما القاصرات، بعضهنّ قد يكنّ أمام التعرّض لأوسخ الأفعال يوميّاً، وأخريات استسلمن خوفاً من "كلام الناس". الموضوع مقلق بالفعل، التحرّك إلزامي لتحقيق الأمان لكافة أطراف المجتمع... كفانا تهميشاً لهذه المواضيع. نعم، وقتها الآن وأكثر من أيّ وقتٍ مضى.