موسم الزيتون هذا العام كان خفيفاً. وجاءت الأحداث الأمنية في منطقة الجنوب لتزيد "الطين بلة"، لأنها حرمت المزارعين في المناطق الحدودية من قطف مواسمهم. ومَن استطاع إلى ذلك سبيلاً كلّياً أو جزئياً، وباع الغلّة، فقد يتسبّب للشاري بخسارة الزيتون والزيت والمال، ولن يبقى له غير التأسّف!
لماذا؟
لأنّ قنابل الفوسفور التي ألقاها العدو، أثّرت في الثروة البيئيّة والقطاع الزراعي برمّته، بما في ذلك موسم الزيتون الذي تزامن مع هذه الأحداث.
السؤال الأساسي هنا: هل يمكن تناول الزيتون وزيته الذي استُخرج منه في المناطق التي استهدفها الفوسفور الأبيض؟
يجيب رئيس قسم الطوارئ في مركز الجامعة اللبنانية - الأميركية الطبي (Saint John's) في جونية، الدكتور رشيد رحمة، في حديثه لـ"النهار"، بأنّ "قسماً كبيراً من غبار الفوسفور الذي يخرج عند انفجار القنبلة يشتعل من داخله في تفاعلٍ مع الأوكسجين، والقسم الآخر يكون على شكل ترسّبات من رماد. هذا الرماد يمكن أن يبقى على الزيتون، لكن لدى غسل الزيتون يُزال هذا الرماد فوراً".
برأي رحمة، "الزيتون لا يمتصّ هذه الموادّ لأنّ هذه المواد الكيميائية، لدى انفجارها، عندما تصل إلى الزيتون، تكون قد استُهلكت، وما يبقى منها شاعلاً يحرق حبة الزيتون. لذلك، على المزارع، لدى قطف الزيتون، اختيار الزيتونة غير المحترقة لقطفها، ومراعاة وجوب غسل الزيتون المقطوف بالماء والصابون بشكل متكرّر. وفي هذه الحالة يمكن تناول الزيتون وزيته بشكل آمن".
لكن ما تأثير تناول زيت الزيتون المعصور هذا الذي يحتوي على الفوسفور، إن اختلط الزيتون المحترق بالزيتون السليم، وعُصر الخليط ليكوّن زيتاً؟ يجيب رحمة بأنّ "تناول هذا الزيت، ودخوله في الجهاز الهضميّ، قسمٌ من كمية الفوسفور المتناولة تدخل إلى الدم، وقد تتسبّب بتلبّك في الكبد أو بالكلى، إلى جانب تغيّر طعم الزيت الذي سيكون مرّاً وشبيهاً بطعم المستردة وذا رائحة غير حسنة".
لكن هذا التلبّك قابل للعلاج - بحسب رحمة - وكميّة الفوسفور لن تكون كبيرة لتشكّل خطراً كبيراً على الصحة لدى تناول الزيت. لكن تناول هذا الزيت يؤثّر، لكن بشكل بسيط جداً، على القلب وعلى العظام، إن كان التعرّض لتناول هذا الفوسفور متكرّراً.
من جانبه، يشدّد المهندس الزراعي حنا مخايل لـ"النهار" على أنّ مادة الفوسفور الأبيض تشّكل خطراً كبيراً على النظام البيئي وعلى التربة، وتساهم بقتل بيوض الحشرات والتخفيف من الزهور المحليّة، إضافة إلى تلويثها للمياه والثروة السمكية والهواء.
لهذه العوامل كلّها تأثير سلبيّ على القطاع الزراعي، بل أكثر من ذلك، إذ احترق بحدود الأربعين ألف شجرة زيتون، إضافة إلى أشجار الصنوبر والسنديان والتين والعنب والتبغ.
وبرأي مخايل، "محاصيل الزيتون هذا العام، ومن جراء الاعتداءات الإسرائيلية بالفوسفور الأبيض على جنوب لبنان، يجب أن تذهب إلى التلف لاحتوائها على هذه المادة المسرطنة التي تشكّل خطراً أيضاً على الإنسان".
وعن الزيتون الحالي، يقول مخايل بتردّد إنّه "يمكن تناوله إلى حدّ ما"، على قاعدة أنّه لا يمكن معرفة المدى الذي ستصل إليه مياه الشتاء في غسلها للتربة. فالزيتونة التي لا تزال على الغصن، وإن لم تحترق بمادة الفوسفور، سيصلها الفوسفور من التربة التي أصابتها المادة، وامتصتها.
وفي ظل تعدد الآراء واختلافها، طلب المركز الوطني للبحوث العلمية التزوّد بعيّنات من تربة الأراضي التي استهدفها القصف في جنوب لبنان، إلا أن الأوضاع الميدانية حتى الآن لم تسمح للمعنيين بالوصول إلى الأماكن المستهدفة بحثياً وعسكرياً، بحسب ما تقول رئيسة المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان د. تمارا الزين في حديثها لـ"النهار"؛ فلا يكفي مسح الأراضي والأشجار التي احترقت، والمواشي التي نفقت، إذ من المهمّ جداً معرفة وضع التربة هناك وإجراء التحاليل لقياس تأثرها وترسّبات المواد السامّة.
فالمتفجرات تحتوي على معادن ثقيلة سامّة جداً، ولدى إلقائها بكميّات كبيرة تبقى في التراب. وهنا علينا أن نفحص كيف تتغيّر الكميات في التراب لمعرفة صلاحية الأرض مستقبلاً للزراعة الفورية أم وجوب الانتظار لعدّة مواسم قابلة وشتاءات متعدّدة.
ووفق الزين، "حتى الآن، ليس معروفاً بعدُ إن كانت الموادّ السامّة والحارقة قد دخلت إلى حبوب الزيتون أم لا. لكن المؤكّد أنّ الشجرة التي تُصاب بمواد الفوسفور، يحترق مكان الإصابة. وإن لم نستهلك الزيتون والزيت الذي قُطف في الموسم الحالي، فليس معروفاً ماذا سيكون وضع الشجرة نفسها في الموسم المقبل. والأمر يعود أيضاً إلى كمية الفوسفور التي تعرّضت لها الشجرة، وإلى مقدار الاحتراق الجزئي أو الكليّ. لذلك نحتاج إلى مسح شامل عندما تنتهي الأحداث الأمنية".
وسيقوم المعنيون بفحص التربة بأخذ 3 عينات: الأولى من منطقة جغرافية لم تستهدفها القذائف، والعيّنة الثانية من منطقة أصابتها قنابل وقذائف، والعيّنة الثالثة من منطقة أصيبت بقنابل فوسفورية.