ل.ج.
مقابل الكاميرا والميكروفون صاروخان إسرائيليّان يستهدفان فريق عمل قناة "الميادين"، الحقيقة مغموسة بالدم والتراب، ومع ذلك تبقى الحقيقة حيّة لتشهد على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ويبقى الصوت أعلى من كلّ الصواريخ والقذائف.
في جريمة جديدة ضد الصحافيين، استهدف الجيش ال#إسرائيلي أحد فرق عمل "الميادين" في مثلث #طيرحرفا في جنوبي لبنان، وقتل ثلاثة أشخاص.
ونعت القناة الشهيدين المراسلة فرح عمر والمصور ربيع المعماري، ونقل الجثمانان الى مستشفى "جبل عامل" في صور، قبل أن يصلا في محطة وداعية الى مقر قناة "الميادين" في بئر حسن حيث طغى الحزن والصدمة. واستشهد المواطن حسين عقيل الذي كان برفقة الصحافييْن حيث كانا يهمان بتصوير رسالة تلفزيونية.
وقال رئيس مجلس إداة قناة "الميادين" غسان بن جدو أن "استهداف المحطة كان عن قصد".
وراء هذه الوجوه الراحلة قصصٌ مؤلمة، ذكريات وتجارب عديدة، بالأمس خسرنا المصور الزميل #عصام عبد الله واليوم نخسر بطلين آخرين أثناء تأدية واجبهما الصحافيّ.
اليوم نشهد على اغتيال آخر للصوت والصورة التي أرعبت إسرائيل منذ بداية الحرب، وعلى أسئلة مفتوحة حول كيفية التغطية من الجنوب بعد اليوم، وحول من يحمي الصحافيين العاملين في الميدان؟ وما دور الجيش و"اليونيفيل" والمنظمات الدولية التي تبني سردياتها على الدفاع عن حقوق الانسان وحرية التعبير؟!
في 8 تشرين الأول كتبت فرح عمر "الحياة لا تدوم، عانقوا من تحبّون". ابنة الـ25 عاماً، ابنة مشغرة ارتقت اليوم شهيدة على أرض الوطن. دماؤها سقت تراب الجنوب بعد أن كانت تنقل رسالتها الأخيرة قبل أن يستهدفها الجيش الإسرائيلي بصاروخين مباشرين لفريق عمل قناة "الميادين".
كانت فرح عاشقة للجنوب، للمهنة وللحياة، لم تقوَ على البقاء بعيدة عن أرض المعركة، نزلت إلى بيروت لمدة أسبوع قبل أن تعاود أدراجها إلى الجنوب. بالأمس كانت جالسة مع أهالي بلدة الجبين، تخبز معهم كما اعتادت أن تكون على طبيعتها وبكامل فرحها.
لم يتسنَّ لفرح أن تحقق أحلامها الكثيرة، كانت في آخر مرحلة من الماستر في الصحافة، لم يبقَ أمامها سوى مناقشة المشروع وفق ما كتب الدكتور إياد عبيد في الجامعة اللبنانية. كانت من الطلاب المتفوقين وعلامة فارقة في جامعتها، لتصبح اليوم اسماً ينضمّ إلى أسماء الصحافيين الشهداء في المعركة مع الحرية والحروب.
تقول والدتها من أمام مبنى الميادين في انتظار وصول جثمان ابنتها فرح "هيك هيي بدّا، الحمدلله على كلّ شي، وسيكون هناك ألف فرح". قُتلت فرح وتركت وراءها شقيقتها فريال وشقيقها بسام ووالدين فخورين بها.
في رسالتها الأخيرة على الهواء تتحدّث فرح عن "المقاومة الإسلامية التي افتتحت عملياتها اليوم منذ الصباح الباكر ردّاً على استهداف منازل المدنيّين التي حصلت بالأمس في بلدة الخيام وكفركلا"، كانت تقف هناك جريئة، مصرّة أن توثّق الاعتداءات الإسرائيلية، قبل أن توثّق هذه الأخيرة بشكل مباشر ومقصود اغتيال الصوت والصورة.
في أحد التقارير التي أعدّتها فرح خلال تغطيتها للاعتداءات التي تحصل في الجنوب، تناولت موضوع الانتهاكات الدولية واستهداف إسرائيل طواقم الإسعاف والإطفاء على الحدود اللبنانية. تساءلت عن المخاطر والصعوبات التي يواجهها هؤلاء خلال عملهم، لتصبح اليوم هي الخبر في حدّ ذاته والخطر المحدق تربّص بها ليغتال حريتها وصوتها الذي صدح منذ العام 2021 على قناة "الميادين".
من فرح إلى الزميل المصوّر ربيع المعماري، مواليد 1983، الذي كان ينقل بعدسته الصورة الحيّة لما يجري على أرض الجنوب. كان خلف كاميرته عندما قرّرت إسرائيل أن تُطفئ عدسته وشغفه في الحياة.
يروي عارفوه أنّه كان "شخصاً يحبّ الحياة والضحك، يمزح ويعشق مهنته. يغرّد صديقه حسين ضاهر على "إكس" قائلاً: "إنّك تفيق عخبر نعي صديق، ربيع صديق الطفولة والجار المحترم والمؤدب المهذب ابن البيت. يلعن كل شي ويلعن هالدني ما أوسخها... يلعن كل نجس بعد ما وضحت عنده صورة هالكيان النجس يلي على حدودنا. الله يرحمك يا ربيع ويرحمك يا فرح".
كان لربيع مسيرته الشيّقة في تغطية الأحداث، هو الذي شارك في تغطية أحداث سياسية وتظاهرات في معظم الدول العربية. كان لربيع حياته وعائلته التي تركها وراء، عائلة مفجوعة برحيل الزوج والأب، قُتل ربيع وبقيت منال زوجته وحيدة مع ولديها الصغيرين.
غرّدت هنادي الكريم "ما حدا عرفك بالحي يا ربيع وما كان يحبك و يحترمك... إنسان طيب وطاهر ودايماً بيسبق بالسلام والبسمة ع وجه، والله قهرة كبيرة".
قتلت إسرائيل فرح وربيع ومعهما الشاب حسين عقيل عن سابق تصوّر وتصميم، وبقتلها فضحت تواطؤ الدول في السكوت عن الانتهاكات في القوانين الدولية وحماية الصحافيين والمدنيين.
وننهي رسالتنا الحزينة بعبارة فرح الشهيرة "كانت معكم فرح عمر، مراسلة الميادين، عبر كاميرا الزميل ربيع المعماري".
الصور بعدسة الزميل حسام شبارو.