الحريق المتجدد في مكب برج حمود يعكس استمرار أزمة النفايات في لبنان، بعد أن تصاعدت وتيرة الاعتراضات على سياسة الحكومة لإدارة ذلك الملفّ، وتحديداً في صيف عام 2015 عندما تفجرت الأزمة في الشارع من خلال حملة "طلعت ريحتكم".
فما قصّة المكبات في برج حمود و"الكوستا برافا"، وعكّار وغيرها؟
لا تتوقف الدعوات لإغلاق مكب برج حمود بعد 9 أعوام على إنشائه، ووعود لبلدتي سد البوشرية وبرج حمود بحوافز مالية لمساعدتهما في تنفيذ مشاريع إنمائية.
لكن تلك الموافقة من البلدتين لم تبقَ على ما هي ولا سيّما أنّ بلدية برج حمود علقت تلك المواقفة لعدم تطابقها مع الخطة التي أُعدّت لذلك المكبّ خصوصاً أنّ الكمية التي نقلت إليه فاقت القدرة الاستيعابية. وكذلك عدم إنشاء خلية صحّية في المطمر.
بيد أنّ حكاية المكب بدأت منتصف التسعينات، وكانت النفايات تنقل إلى ذلك المكب بما فيها النفايات السامة بحسب أكثر من تقرير بيئي.
ولم تجد الحكومة حلاً لذلك المكب، ومن ثم عملت على إنشاء المطمر بدل إيجاد الحلول البيئية لإتمام عمليات الفرز بشكل كامل وليس بالطريقة التي يعترض عليها الخبراء البيئيّون ومعهم طيف واسع من اللبنانيين.
عدا أنّه لم يُصَرْ إلى إنشاء "حاجز بحريّ" لمنع تدفّق النفايات إلى البحر، وإن كان قد أُنشئ كاسر للأمواج على تربة غير صالحة، وتلك التربة تمّ نقلها من المرامل والكسارات، وكذلك هي تجمّع لعصارة النفايات.
لكنّ المشكلة اليوم أنّ ذلك المطمر وصل إلى قدرته الاستيعابيّة على الرغم من رفع مستواه أكثر من مرّة.
ففي العام 2017 تقرّر في مجلس الوزراء فتح مطمر برج حمود أربع سنوات، لكنّ الفترة طالت بعد ذلك مع استيعاب المطمر أكثر من أربعة ملايين طنّ من النفايات.
ومنذ أكثر من 5 سنوات وصل المطمر إلى قدرته الاستيعابية مع استقباله نحو 1300 طنّ يومياً من نفايات كسروان والمتن وقسم من بيروت، وكان الحلّ توسيعاً جزئيّاً للمطمر، بعدها ارتفع المطمر أكثر من 13 متراً مع استمرار "سياسة معالجة النفايات على حالها".
وما الحريق في الأمس سوى انعكاس لاستمرار الفشل الحكومي في إدارة ملفّ كان بالنسبة إلى البعض أشبه بمنجم بعد جمع مئات ملايين الدولارات من "النفايات".
مكبّ الـ"كوستا برافا": لا قدرة استيعابيّة والسبب عدم الفرز!
بعد إقفال مطمر الناعمة عام 2015 كان لا بدّ من إيجاد مطمر جديد لاستيعاب النفايات من جبل لبنان وبيروت.
مطلع العام الحالي تمّ الاتفاق على عدم إقفال مطمر "الكوستا برافا" وتمديد العمل فيه حتى حزيران الفائت.
مرّ حزيران ولا تزال الأمور على حالها في المطمر الذي أُنشئ لاستيعاب النفايات
على مساحة تقدّر بـ 150 ألف متر مربع، وبعد أن امتلأت تلك المساحة بالنفايات، اتخذ مجلس الإنماء والإعمار قرارًا بتوسعة المطمر إلى نحو 270 ألف متر مربع.
ما أثار حفيظة اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية التي هدّدت مراراً بإغلاقه.
أمّا توسيع المطامر البحرية فلا اعتراضات عليه على الأقل من المسؤولين، ولكنّ مخاطر توسيع المطامر المتاخمة للبحر دونها ارتدادات سلبية سواء على الثروة السمكية، وبالتالي على صحة الإنسان، أو بالنسبة إلى سلامة الطيران المدني بما يتصل بمطمر "الكوستا برافا"، مع ما عرف بأزمة الطيور والحلول الارتجالية التي ابتدعتها الوزارات المعنية ومنها الاستعانة بصيادين لقتل الطيور.
لكنّ المشكلة ليست في القدرة على الاستيعاب وإنّما في طريقة معالجة ملفّ النفايات.
وبحسب رئيس "جمعية الأرض" بول أبي راشد إنّ الأزمة لا تزال على حالها، وإنّ ما حدث في مطمر الجديدة مؤخّراً لا يختلف عمّا حصل في مطمر الناعمة قبل سنوات، والسبب لا يزل عدم فرز النفايات وطمرها مع العوادم، وبالتالي انبعاث غاز الميتان الذي يتسبب بالحرائق".
فالمطامر قنابل محروقة بحسب التوصيف الأكثر واقعية، طالما أنّ الحكومات المتعاقبة لم تصل إلى حلول ناجعة.
ويذكر أبي راشد أنّه خلال تولّي فادي جريصاتي وزارة البيئة تمّ تفعيل "لجنة التنسيق للنفايات" وكان هناك تقدمّ في الملفّ، ولكن لاحقاً ومع تغيير الوزراء والحكومات لم يعد لتلك اللجنة أيّ نشاط.
مكبّ عكّار: خلافات عائليّة وثبات الضرر
لا تختلف حكاية إنشاء مطمر سرار في عكّار عن إنشاء المطامر في المناطق الأخرى، وظهر ذلك المكبّ بـ"حلته الحالية" بعد اندلاع أزمة النفايات في تموز عام 2015، وخلالها تمّ الترويج لذلك المكبّ ما استدعى حملة أهلية مناهضة له تحت شعار "عكّار مَنَّا مزبلة".
ويستقبل المكبّ في سرار النفايات من عشرات البلدات العكّارية وسط خلافات بين مالكي الأرض التي أُقيم عليها المكبّ، حتّى على طريقة استثمار المكبّ. وتمّ إنشاء معمل لفرز النفايات تحت إشراف اتحاد بلديات الساحل ووسط القيطع، والخلافات لا تزال قائمة بين المالكين وسط تجمهر سياسيّ خلف كلّ طرف.
فبلديات عكّار الـ 132 متعاقدة مع ذلك المكبّ لنقل النفايات إليه.
أمّا الضرر فلا يزال قائماً على عدم مباشرة العمل في معمل فرز النفايات بسبب الخلافات، ما يعني أنّ الأمور على حالها.
ولا يختلف الأمر في مكبّات البقاع، ولكنّ جوهر الأزمة عدم إتمام الفرز وبالتالي طمر النفايات العضوية التي تتسبّب بالغازات، ومن ثمّ بالحرائق مع العوادم، والأمر يفسَّر على أنّه منفعة لمستثمري "ملفّ النفايات"، وأنّ عدم الفرز يوفّر الكثير من الأموال عليهم ويزيد في الوقت عينه من أرباحهم غير المشروعة على حساب صحّة اللبنانيين.