رائحة الموت تفوح من تحت الركام. كانت ليلة قاسية في منطقة #حارة حريك في الضاحية الجنوبيّة. 4 شهداء لكل منهم قصته وأحلامه ولحظاته الأخيرة التي عاشوها قبل أن تغدرهم إسرائيل التي استهدفت المبنى السكني لاغتيال القيادي في "حزب الله" فؤاد شكر.
لم يتوقف عدّاد الجرحى والشهداء عن الارتفاع منذ ساعات الليل الماضي. ومن بين الحطام والركام المتناثر في ذلك الحيّ، خرجت جثث وأجساد الجرحى مثقلة بالدم والموت، وتوزّعت على مختلف المستشفيات التي تلقّفت الحالات الطبية بمختلف درجاتها وخطورتها. يتوقع أن يرتفع عدد الإصابات والشهداء أكثر. عمليات البحث ما زالت جارية، وصعوبة رفع الأنقاض تزداد تعقيداً بسبب ضيق الشارع وتضرّر المبنى.
وفق بيان وزارة الصحة، ارتفعت حصيلة الشهداء في الضاحية الجنوبية إلى أربعة شهداء، من بينهم سيدتان وطفل وطفلة، وسقط ما يقرب من 74 جريحاً. ويُتوقع أن يكون هناك المزيد من الضحايا الموجودين تحت أنقاض المبنى المستهدف.
نتوقّف قليلاً عند أسماء الشهداء والضحايا الذين ارتقوا في الغارة الإسرائيلية، فيصعب عليك إبعاد نظرك وفكرك عن صورة حسن وشقيقته أميرة فضل الله. عيونهما تحكي الكثير، ضحكتاهما رائعة، ورحيلهما قاسٍ جداً. نغوص أكثر في قصتهما الموجعة أكثر حين تعرف تفاصيلهما الصغيرة. إسرائيل لا ترحم أحداً، والأطفال من أولى ضحاياها منذ 7 تشرين الأول.
حسن وأميرة ملاكان في عالم أكثر براءة وسلاماً، لكن الحرب مقيتة وموحشة، والإجرام لا حدود له. كنتما تحلمان بأمور بسيطة، صغيرة كجسديكما وعمريكما، لكن إسرائيل لا تُميّز بين كبير وصغير، وأنتما دفعتما الثمن.
يؤكد عمّ الطفلين حسن فضل الله أن "حسن وأميرة كانا في زيارة إلى بيت عمّتهم. لم يمضِ على وصولهما إلى المبنى أكثر من 10 دقائق عندما قصفت إسرائيل. أُصيبت العائلة بأكملها بإصابات مختلفة، وأغلبية أفرادها في المستشفيات. في البداية، كان حسن وأميرة في عداد المفقودين قبل أن تُرفع الأنقاض ونجدهما معاً كما كانا دائماً. كان حسن يغمر شقيقته أميرة تحت الركام، هكذا ارتقيا إلى الشهادة".
كان البحث عن الطفلين المفقودين يُثقل كاهل العائلة التي أصيبت بأكملها. بدأ البحث عنهما في المستشفيات من دون جدوى. لا أثر لهما في أيّ مستشفى.
يعترف حسن بأن "الشهادة حق، ونحن أهل إيمان، وهذا ما يُعزّينا. لكنني كنتُ أتمنّى أن أكون مكانهما. ما زالا صغيرين، وأحلامهما كانت كبيرة جداً. لا ذنب لهما، هما طفلان، ولكن ما يُصبرنا أنهما نالا الشهادة، وهذه أعلى مرتبة ينالها الإنسان في هذه الحياة".
في أحد الفيديوهات الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، يلعب الشهيد الطفل حسن فضل الله كرة القدم، رياضته المفضّلة التي كان يعشقها. ويشير عمّه إلى أنه "كان يحبّ الرياضة كثيراً. كان متميّزاً ومتفوّقاً بدارسته كما في رياضته. كان محبوباً من الجميع، وأكثر ما كان يُميّزه أنه كان "رجل على صغير".
أما الطفلة أميرة، ابنة الـ6 سنوات، فهي اسمٌ على مسمّى. كانت طفلة مدلّلة، تحبّ الدلع والحنيّة، وتتباهى بعائلتها والضحكة لا تفارق وجهها. كانت بريئة جداً، وتحتمي بشقيقها حسن. كان سندها في كلّ شيء".
يواصل المسعفون والمنقذون عملياتهم للبحث عن ضحايا تحت أنقاض المبنى. ويواجه والد الطفلين إصابة دقيقة وحروقاً في جسمه، فضلاً عن إصابات العائلة الأخرى، والتي تراوحت ما بين طفيفة ومتوسطة.
في ذلك المبنى السكني، كانت تجلس الشهيدة وسيلة بيضون تشرب قهوتها على الشرفة قبل أن يغدرها الصاروخ الإسرائيلي. كانت تنوي مغادرة منزلها بعد إصرار من شقيقها بسبب التهديدات المتواصلة والخوف من ضربة محتملة على المنطقة. يقول شقيقها لـ"النهار": "اتصلتُ بها قبل يوم، وطلبتُ إليها مغادرة المنزل لاجتياز هذه الفترة الحساسة. كنتُ أشعر بأن الوضع قد يتطوّر، وعلينا أخذ الحيطة والحذر. طلبتُ إليها أن تأتي إلى الجنوب، أو تذهب إلى شقيقتي في بشامون، ووعدتني بأنها ستفعل ذلك في اليوم التالي".
لم تأتِ وسيلة، ولم تغادر منزلها كما وعدت. وبعد القصف، تواصل شقيقها معها، لكن هاتفها كان مغلقاً. لم تجب عن اتصالاته. وفق شقيقها "طلبتُ إلى ابني التوجّه سريعاً إلى منزلها. لقد ارتقت شهيدة. كانت أوّل شهيدة في غارة الأمس. كانت إصابتها كبيرة، وعلى ما يبدو أنها سقطت مع الشرفة نتيجة الغارة".
كانت الشهيدة وسيلة تجلس على الشرفة في آخر لحظاتها تحتسي القهوة، وفق جيرانها. شاهدوها هناك قبل أن ينفجر الصاروخ. يقول شقيقها "كان حدسي في محله، ولكن لم يعد ينفع الكلام. خسرناها، هي التي كانت تلقّب بـ"إم الكرم"، لا شيء يعوّض علينا سوى أنها شهيدة".