لم يمضِ على جريمة داريا 3 أيام حين أقدم ح.س. على قتل زوجته وابنه ثمّ انتحر، حتى جاءت جريمة قتل الشيخ #أحمد_الرفاعي لتكشف مخطّطاً أكبر وجرماً مدروساً نفّذته مجموعة عن سابق تصوّر وتصميم، لتأتي جريمة العسكريّ المتقاعد الذي قتل طليقته اليوم في وسط الشارع بدم بارد.
3 سنوات ومنى الحمصي محرومة من رؤية أولادها الثلاثة، كانت تدفع ثمن هذا الحرمان دموعاً وقهراً في الأمس القريب، بعدما دفعت ثمن هذا الظلم عنفاً طويلاً قبل أن تنفصل عنه.
بصوتٍ منهك، تُطالب والدة المغدورة عبر "النهار" بإحقاق "الحق والعدالة"، "لا أريد سوى العدالة لابنتي. 15 عاماً ومنى تتحمّل العذاب والعنف، ثمّ هربت منه لتقيم عندي في المنزل منذ ثلاث سنوات، فقرّر أن يقتلها في الشارع".
لقد هربت من الظلم والعنف، و"هناك دعاوى مقدّمة موثقة بتقارير للطبيب الشرعي وصور لعملية العنف الذي تعرّضت له، ولكن كنّا كلما تقدّمنا بدعوى أوقفت. لقد حرمها من أولادها ورفض تطليقها رغم موقفها الحاسم: ما عاد بدي اياك خلص".
"لم ينصفها المجلس الإسلامي العلوي"، بهذه العبارة تتحدّث شقيقتها: "أختي تُوفيت بريئة، الله لا يسامحه". وتطالب بـ"إعدام كل من يعنّف زوجته، لقد تعرّضت للتعذيب وهذه الصور الموجودة بين أيدينا تثبت ما كانت تعانيه من ظلم وقهر وعذاب".
برأي عائلة المغدورة، إن رجال دين يستنكرون ما حصل ولكنهم مدعومون من قبل عائلة زوجها التي تمدّهم بالمال.
وأشارت العائلة إلى أن المغدورة كانت تتلقى تهديدات بقتلها وقتل أشقائها، "بدّي موّتك"، ويشدّد والدها على أن "زوجها أقدم على قتلها عن سابق تصور وتصميم وهو ليس بمجنون كما أشاع البعض. كان يهدّدها لتعود إليه، ولقد حرق أولاده في وقت سابق نكايةً بأمّهم".
3 جرائم في غضون أيام، وقد لا تعكس الأرقام الأمنية هذا الواقع المخيف، إلّا أنّ ما جرى في الأسبوع الأخير يستحقّ التوقّف عنده وتحليله بجدّية وواقعية. فوفق مصدر أمني نسبة الجرائم انخفضت بنسبة 7 في المئة في عام 2022 مقارنة بعام 2021، والجرائم التي تُسجَّل تندرج في خانة الخلافات العائلية أو الاضطرابات النفسية أو الثأرية أو خلافات على قطع أرض.
ويشدّد المصدر على أنّه بالرغم من الظروف الصعبة يتم توقيف الفاعل بسرعة، وهذا دليل على أن "الأمن ممسوك، ولا خوف من الفلتان الاجتماعي، والقاتل ليس حراً وإنّما في يد الأمن والقضاء، وهذا يُشكّل رادعاً للفوضى".
في وضح النهار، وببندقية صيد أطلق المواطن ع.س. النار على طليقته منى الحمصي فأرداها قتيلة. ما تزال الأسباب غير واضحة في انتظار انتهاء التحقيقات، لكنّ المصدر الأمني يشير إلى وجود خلافات بين الزوج وطليقته، وأنّ هناك ادّعاءات سابقة في حقّ الطرفين.
وأكّد مختار جبل محسن علي عجايا أنّ "المواطن ع.س. يعاني من اضطرابات نفسية، وأن الجميع يعرف ذلك وما جرى اليوم صادم ومفجع، والتحقيقات ستكشف الدوافع الحقيقية وراء هذه الجريمة".
وعلمت "النهار" أن المدعوّ ع.س. كان يُعنّف زوجته قبل الطلاق، حتى إنه في إحدى المرّات أبلغت عنه إحدى الصيدليات في المنطقة نتيجة تعنيف الزوجة. وهو يُعنّف أولاده أيضاً ويسجنهم في المنزل. سلوكيات يدرجها الراوي تحت خانة "اضطرابات نفسية".
ممّا لا شك فيه أن الظواهر والسلوكيات العنيفة التي تحدث في المجتمع اللبناني سببها الإحباط الذي يولّد الشعور بالكبت والغضب، وذلك نتيجة عدم إشباع الحاجات الأساسية للمواطن وانعدام الشعور بالأمن النفسي والاجتماعي. فهل تكون هذه الجرائم ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية باباً لظاهرة فلتان اجتماعي مخيف؟
جريمة قتل منى الحمصي تُعيد إلى الأذهان جريمة قتل منى عاقوري على يد زوجها أمام أنظار ابنتيهما، إثر خلافات عائلية، في وضح النهار في جبيل.
اللافت اليوم هو الجرائم التي تُرتكب بحق المطلّقات اللواتي انفصلن عن أزواجهن، إلا أنهنّ لم يكنّ في منأى عن الموت، وفق ما تشدّد عليه الناشطة الحقوقيّة، ومديرة منظمة "كفى"، زويا روحانا، في حديثها إلى "النهار"، حين تقول إن "قانون العنف الأسري يشمل المطلّق والمطلّقة، لأننا شهدنا على جرائم مماثلة لجريمة أمس في جبل محسن، والضحيّة كانت قد انفصلت عن زوجها قبل 3 سنوات، لأنها لم تتمكّن من الحصول على الطلاق نتيجة نفوذ معيّن لزوجها. وبالتالي الانفصال عن الزوج لا يعني بالضرورة الحماية منه وعدم التعرّض لها، وقد سُجّل في لبنان أكثر من جريمة قتل ارتُكبت بعد حصول الطلاق".
وتشير روحانا إلى أنّه قبل تردّي الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة، كانت منظّمتها تُطالب بتسريع محاكمات العنف الأسريّ، إذ بقي ملفّ رلى يعقوب 7 سنوات في قاعات القضاء قبل صدور الحكم فيه؛ لذلك تدعو إلى "إنشاء محاكم أسريّة خاصّة لمتابعة الملفّات بسرعة، بالرغم من أن الأزمات التي ألمّت بالبلد حالت دون تحقيق ذلك"، مع ملاحظتها أن "الظروف الاقتصادية تسهم في زيادة وتيرة العنف، لكننا لا نعتبرها مسبّباً للعنف". وهي تؤكّد أن "ما زاد من سوء الحالة اعتكاف القضاء في مرحلة سابقة مقابل زيادة الشكاوى من العنف الأسريّ، حيث لم ننجح في تأمين الحماية لمن لجأن إلينا نتيجة إضراب القضاة".
ضحيّة جديدة تُضمّ اليوم إلى مسلسل العنف الأسريّ، هي ليست الحادثة الأولى، والخوف ألّا تكون الأخيرة في بلد يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية تنفجر بين الحين والآخر بسلوكيات عنفية وجرائم متوحّشة.
برأي المحامية والمدربة في مجال حقوق الانسان، والمتخصصة في حقوق المرأة والجندر عتيبة المرعبي، إن "موضوع العنف الأسري ليس جديداً، هو قديم متجدّد يزداد مع كلّ أزمة، وقد سجّلت مرحلة #كورونا زيادة في العنف الأسريّ، وحالياً نشهد على زيادة نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة. وقد يجد البعض صعوبة في تحمّل الضغوط، ولا سيّما الاقتصادية منها، فيتّجه الرجل نحو تعنيف المرأة أو الأطفال باعتبارهم الحلقة الأضعف".
كذلك تؤدّي بعض العوامل دوراً مؤثراً مثل الوضع الثقافي والحالة الاجتماعية والذكورية التي تعطي الحقّ للرجل، الى قوانين الأحوال الشخصية والدينية التي ترفع من قدر الرجل أكثر من المرأة، كل هذه الأسباب تتداخل، بالإضافة إلى تأثير الوضع الاقتصاديّ، حيث نشهد جرائم فورية من دون تخطيط سابق لها، بل نتيجة ردّة فعل أو سلوك عنفي. وهذا ما يُفسّر زيادة في حالات العنف وحالات الطلاق أيضاً.
وبناءً على ذلك، تُبدي المرعبي تخوّفها من الفلتان الاجتماعيّ، وأكبر دليل على ذلك الجريمة التي ارتُكبت في حقّ الشيخ أحمد الرفاعي وهي جريمة مخطّط لها، وهذا الشعور يؤدّي إلى ارتكاب الجريمة بما أنّه قادر على الإفلات من العقاب وهذا أمر خطير جدّاً.
إذن ما يجري مرتبط بحلقات مترابطة، ولا يمكن فصل التفلّت الاجتماعي عن الضغوط الاقتصادية والأزمات، لذلك يجب أن نقرأ هذه الجريمة بكلّ تفاصيلها وظروفها لأنّها تشرح لنا تأثير هذه الضغوط على زيادة العنف في المجتمع.
ولا ترى بعض المحاكم الشرعية أنّ العنف سبب كافٍ لطلب الطلاق، وهذا وفق المرعبي أمر خطير لأنّها تُشجّع على العنف الأسريّ والزوجيّ. في المقابل، شهد لبنان منذ جائحة كورونا حتى اليوم زيادة في حالات العنف، هذا بالإضافة إلى العنف الاقتصادي والمعنوي وهو الأكثر شيوعاً اليوم.
وتُعدّ طريقة الجريمة وقحة لأنّها حصلت في وضح النهار وفي الشارع، وهذا يشير إمّا إلى عدم الخوف من شيء أو إلى تعاطي المجرم المخدّرات، خصوصاً أنّ نسبة انتشار المخدّرات خطيرة، وهو الأمر الذي لم يبيّنه الأمن.
ويبقى الهاجس الأكبر أن تكرّ سبحة الجرائم بغضّ النظر عن الأسباب والدوافع، وأن نشهد تفلّتاً اجتماعيّاً أكبر في ظلّ عدم ظهور حلّ قريب للأزمة الاقتصادية وتبعاتها الاجتماعية.