للمرة الثالثة، يشهد الأوتوستراد الساحليّ في منطقة كسروان طوفان مياه الأمطار بشكلٍ غير مسبوق، حيث دهمت منازل مواطنين، فكدّرت عليهم حياتهم، فيما فصل الشتاء لا يزال في بدايته، والمسؤوليات الرسميّة لم تُحدّد بعد. فالبلديات المعنيّة تُحمِّلها لوزارة الأشغال، التي تؤكّد - من جانبها - مسؤوليّة وزارة الطاقة، وتُعيد السبب إلى المخالفات والتعدّيات على مجاري الأنهر.
لكن رئيس بلدية زوق مكايل، إيلي بعينو، يوضح خلال حديثه لـ"النهار" بأنّ كمّية المتساقطات السَنةَ تفوق قدرة السواقي على استيعابها وتصريفها حتى البحر. وكلّما أمطرت على أوتوستراد زوق مكايل، تتجمّع المياه. فمنذ العام 1955 تمّ بناء قناةٍ واحدةٍ لتصريف المياه من هذا الأوتوستراد باتجاه البحر، وهي لا تستوعب كمّية المتساقطات. وفي العام نفسه، كانت هناك أراضٍ كثيرة غير مبنيّة، تمتصّ مياه الأمطار الفائضة، أمّا الآن ومع العمران والبناء الزائد، فلم تعد للأرض القدرة على امتصاص المياه الفائضة، وتتّجه المياه رأساً إلى الطرق. ومنذ العام 1955 لم تُحدّث، ولم توسّع قنوات المياه لاستيعاب المزيد من المياه.
وبحسب بعينو، تواصلت البلدية خلال العقود الماضية مع وزارة الأشغال لحلّ هذه المشكلة لكن "حدّث ولا حرج". كذلك، يحمّل بعينو أيضاً وزارة الطاقة جزءاً من المسؤولية، فهي معنيّة بإجراء المسوحات لمجاري المياه من أعالي الجبال لغاية البحر؛ فهذه المسارات شهدت تعدّيات في العقود الماضية، إلى جانب مسؤوليّة وزارة الأشغال في توسيع مجاري المياه، لكن المشكلة متراكمة منذ عقود مع الوزارات المتعاقبة.
وللبلديات أيضاً دور في تنظيف المجاري والطرق الداخليّة، وفق بعينو. وصحيح أنّ الأمطار كانت غزيرة وغير مسبوقة إذ أمطرت بشكل كثيف خلال وقت قياسيّ، لكن المشكلة الأساسية تبقى بنيويّة.
ويُضيف بعينو أنّ هناك أيضاً بعض الإهمال الذي يُفاقم من هذه المشكلة، بسبب بعض المعامل كمعمل الصابون مثلاً، الذي رمى مخلّفاته، فطافت الرّغوة على الطرق خلال الفيضانات.
من جانبه، يُشير رئيس بلدية جونية، جوان حبيش، في حديث لـ"النهار"، إلى أنّ كميّة المتساقطات فاقت سبع مرات استيعاب مجاري المياه، وهذا ما حدث في عدّة مناطق ساحليّة من غزير مروراً بحارة صخر وصولاً إلى ساحل علما وكفرحباب. وبرأيه، "ما يُحكى عن أنّ السبب عامل بشريّ ومخالفات عمرانية ليس صحيحاً؛ فمنازل الجبال، حيث لا معامل ولا تعدّيات على الأملاك البحرية، هي أولى المنازل التي تضرّرت من هذه السيول".
أمّا في المناطق الساحليّة، فتراكمت المياه أكثر، وجرفت السيول الحصى والتراب، وتضرّرت الطرق في جونية، ودخلت المياه إلى بعض المحالّ التجارية. فالعمران في العقود الماضية بين الطريق الساحليّة البحرية وبين البحر، رفعت من منسوب المياه، وكانت بترخيص من وزارة الأشغال والنقل لدى مديرية النقل البحريّ المسؤولة عن الواجهة البحرية.
لكن حبيش يوضح بأنّ هناك بعض التعدّيات على مجاري الأنهر والمجاري الشتويّة، إضافة إلى بعض المنشآت المقامة بترخيص من وزاره الطاقة.
أمّا المسؤوليّة عن الطرق الدوليّة والأوتوستراد الساحلي والطريق البحرية الأساسيّة فهي مسؤوليّة وزارة الأشغال. وفي ما يخصّ مسؤولية البلدية "فبلدية جونيه تنظّف المجاري والطرق منعاً لانسدادها، وتفادياً لهذه الفيضانات. وفي أوّل أيلول من كلّ عام، يتمّ تنظيف جميع مجاري المدينة وممرات المياه والأقنية، وتستمرّ هذه العمليات خلال الشتاء بشكل 24/24 لتنظيف مجاري المياه، وفق حبيش.
وعن تسبّب مشروع الساحل بهذه الفيضانات، يشرح حبيش أنّ هذا المشروع شُيّد في العام 1988 في ساحل علما التابعة لجونية، وقامت حينها وزارة الأشغال بتخطيط الطريق الخاصّة بهذا المشروع وتنفيذها. وبدلاً من أن يكون مجرى مياه الأمطار لهذا المشروع بحدود أربعة أمتار، يكاد يكون 70 سنتيمتراً. وخلال التساقط العادي للأمطار لا تتجمّع السيول ولا تعمّ الفيضانات، لكن كمية المتساقطات الكبيرة لا يمكنها أن تمرّ في مجرى بقُطر 70 سنتيمتراً؛ إذن المشكلة بنيويّة إضافة إلى التغيّر المناخيّ.
التعدّيات هي السبب...
وقد غرّد وزير الأشغال العامة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور علي حمية عبر حسابه على "تويتر": "طوال الليلة الماضية عملت ورش متعهّدي وزارة الأشغال العامة والنقل على رفع الأتربة والحصى والأوساخ التي جرفتها السيول المتدفّقة من الأعالي إلى الأوتوستراد، فضلاً عن تعزيلها من مجاري التصريف منعاً لانسدادها، ونجدّد الدعوة لقيام الجميع بمسؤوليّاتهم داخل البلدات وعلى مجاري الأنهر".
فحوى كلام حميّة أن المسؤولية مشتركة بين عدّة أطراف، فيما مسؤولية وزارة الأشغال تقتصر على الطرق الدولية، وسط نسبة التعديات الكثيرة في عدّة مناطق كساحل علما وغزير.
والمشكلة وفق حمية ليست بسبب تقصير وزارة الأشغال، إنّما المشكلة أن سيولاً تشكّل عاملاً جديداً في لبنان بسبب المخالفات في العمران. فلون المياه البنيّ، وهي تجرف التراب من الجبال معها، يؤكّد أنّ الفيضانات هذه نتيجة مخالفات عمرانيّة وليست نتيجةً لانسداد مجاري المياه، التي تجمّعت على الأوتوستراد بعد توقّف تساقط الأمطار.