صدرت أخيراً نتائج امتحانات الدخول لطلاب المعهد العالي للدكتوراه في الحقوق والعلوم السياسية والاقتصادية والادارية في الجامعة اللبنانية، وأُعلن قبول 63 طالباً وطالبة للاعداد لمشروع أطروحة الدكتوراه في المعهد، بما يخالف النص المعتمد لقبول 35 طالباً سنوياً في مختلف الاختصاصات. يعكس قبول طلاب جدد فوق ما يتيحه خللاً في أداء المعهد ومساراً تراجعياً سنة بعد أخرى على صعيد التوازن الوطني. ويلاحظ في النتائج أن النسبة الكبرى من الناجحين هم في اختصاص الحقوق والعلوم السياسية ثم ادارة الاعمال، وكأن إدارة المعهد تسعى إلى اغراق السوق بالخريجين من حملة الدكتوراه من دون تقييم الجدوى لرفده بالكفاءات باستثناء التعليم في الجامعات.
الخلل في نتائج امتحانات المعهد بقدر ما يطال الأداء، يعكس في الوقت ذاته استمراراً في الممارسات ذاتها بل اصراراً على المخالفات التي تضر بسمعة الجامعة اللبنانية وبمستوى شهاداتها المصنفة فئة أولى، فبعدما تخطى عدد المقبولين النسبة المعتمدة في العام الماضي بـ11 طالباً وصلت الزيادة هذه السنة الى 28 وفق ما كشفت عنه نتائج امتحانات الدخول السنوية والتي دمج فيها التسجيل الاداري والأكاديمي في الوقت نفسه.
طال الخلل أيضاً التوازن الطائفي، وان كان لا شرعية له اكاديمياً لكنه يطرح تساؤلات عن الميثاقية التي ينادي بها عميد المعهد باسم فريق يغالي في تشدده باحترامها، فيما الخطر الأبرز على الشهادة وعلى مستوى المعهد يبقى في العدد الإجمالي للطلاب المقبولين، وهو يضرب بعرض الحائط قراراً صادراً عن مجلس الجامعة يقضي بتحديد الحدّ الأقصى لعدد الطلاب الممكن قبولهم للتسجيل في معهد دكتوراه الحقوق والبالغ 35 طالباً. وهذه المخالفة تعرّض النتائج للطعن أمام المراجع القضائية المعنية لتجاوز حد السلطة وعدم احترام النصوص والقرارات الملزمة الصادرة عن السلطة التقريرية في الجامعة والمتمثلة بمجلسها، وإن كان اليوم غائباً حيث يتولى إدارة جامعة رئيسها بالعلاقة مع وزير التربية والتعليم العالي. واي اجراء مخالف سواء صدر عن عميد المعهد او عن مجلسه العلمي او أي جهة اخرى، لا يتمتع بالشرعية والمشروعية القانونية، لأن اي مجلس لا وجود له في القانون، كمجلس العمداء، وهو لا يمكن أن يحل مكان مجلس الجامعة، شرعياً وقانونياً.
اما الخلل الآخر، فهو في تمدد اختصاصي، القانون (20 طالباً) والعلوم السياسية (16 طالباً) على بقية الاختصاصات المناطة بالمعهد، وهي إدارة الأعمال (11 طالباً) والاقتصاد (2) والسياحة (1). فيما تم قبول 6 طلاب دكتوراه في ادارة الاعمال من جامعات خاصة، و7 طلاب عرب من بينهم 4 في ادارة الاعمال و2 حقوق، و1 علوم سياسية. وقد يكون مرد ذلك هو أن عميد المعهد هو خريج كلية قانون، الأمر الذي يدفع به الى تغليب اختصاصه بل تطاول اختصاصات على حساب أخرى من دون أي توازن قطعا.
ويظهر أن اختصاصي الحقوق والعلوم السياسية وحدهما استأثرا بأكتر من العدد المقرر.
وبلغ عدد الذين تم إنجاحهم 63 طالبا اي اكثر من 28 طالبا من الحد الأقصى المسموح به. وهذا ما يّدخل الجامعة اللبنانية في نوع من مزاحمة أو منافسة شديدة مع فئة صغيرة من الجامعات الخاصة غير المعترف بشهاداتها، لأن نتائج الفئة الرصينة منها ما زالت في غاية الاحترام.
ومن يدقق في ما يقوم به المعهد اليوم لا بد أن يكتشف الكثير من المخالفات في أدائه. وتفيد معلومات عن استنسابية في قرارات المجلس العلمي، وايضاً تعيين لجان المناقشات، إذ يشار مثلاً وفق ما يتم التداول به بين عدد من الطلاب أن ابنة قاضٍ ناقشت اطروحتها بأقل من ثلاث سنوات على تسجيلها، وقبول نقل ملف طالب كان يتابع دراسته في إحدى الجامعات الفرنسية إلى المعهد مع ان هذا الإجراء يحتاج إلى موافقة مجلس الجامعة الغائب الإكبر حاليا... انها نماذج عن سياسة الخلل التي تظهر كيف يتحول المسؤول في المعهد إلى "شاهد ما شافش حاجة"!
وتظهر النتائج ان عميد المعهد واعضاء المجلس العلمي خالفوا قراراً يقضي بتحديد الحدّ الأقصى لعدد الطلاب الممكن قبولهم للتسجيل في معهد دكتوراه الحقوق والبالغ 35 طالبًا. وهذه المخالفة تعرّض النتائج للطعن أمام المراجع القضائية لتجاوز حد السلطة وعدم احترام النصوص والقرارات الملزمة الصادرة عن مجلس الجامعة.
لا غرابة أيضاً في أن تصدر نتائج غير متوازنة متى تمّ البحث في تركيبة اللجان الفاحصة، فإذا تبيّن ان أعضاء المجلس العلمي احتكروا لأنفسهم سلطات ثلاث بأشخاصهم، بل اختزلوا هذه السلطات بحيث انهم يمثلون سلطة وضع الأسئلة وسلطة تصحيحها وإصدار النتائج كما في كل نظام يعاني السلطوية، بدل اعتماد قاعدة الفصل بين تلك السلطات وتوازنها.
يطرح هذا الأمر ضرورة تدخل رئاسة الجامعة في وضع حد للفوضى والمخالفات كي لا تصبح شهادة الدكتوراه في الجامعة مجرد ورقة لا معنى لها، وهو أمر ينسحب على كل معاهد الدكتوراه التي وأن كانت هناك محاولة لضبط مخالفاتها، إلا أن الوقت حان لإعادة النظر بالمجالس العلمية وطريقة إدارة المعاهد حفاظاً على سمعة الجامعة وموقعها الاكاديمي ودورها في انتاج البحث العلمي.
يطرح عدد من الأكاديميين ضرورة تشكيل لجنة محايدة لدرس النتائج واعادة التصحيح اذا اقتضى الأمر لوضع حد لهذا الخلل المتمادي سنة بعد أخرى والذي يظهر عجز المعهد عن تداركه في شكل يترك الأمور تجري من تحته من دون معرفة أو قدرة على تأمين نتائج شفافة وعادلة تلتزم القانون.