يقولُ الرّبّ يسوع: "من أراد أن يتبعني، فليزهد في نفسه ويحمل صليبهُ كُلّ يومٍ ويتبعني". انطلاقاً من تعليم المـُعلّم الإلهيّ، نتطلّعُ إلى حدث التّطويب الّذي يترقّبُهُ لُبنان وبخاصّةٍ المـسيحيّين فيه وفي سائر هذا الشّرق المـُتألّم الّذي طال مخاضهُ بسبب الحُروب والنّزاعات، وبسبب الإنحطاط الفكريّ والثّقافي والأخلاقيّ الّذي بات يُهدّدُ شبابنا، الّذين هُم بأمسّ حاجةٍ إلى بريق رجاءٍ، في عتمة حاضرهم البائس.
في ليلة الرّابع من حُزيران عشيّة عيد العنصرة، نقفُ جميعُنا أمام مشهدٍ مُغايرٍ لما اعتدنا عليه في السّنوات الأخيرة من ظُلمٍ وفقرٍ وجوعٍ وعتمةٍ وشحّ ماء ومورد عيش ونزيف هُجرةٍ مُتواصلةٍ لشبابٍ وعائلاتٍ، نحنُ هُنا أمام تيّار العناية الإلهيّة الّذي يسيرُ على خلاف كُلّ تيّارات السُّلطة الفاسدة، ليسطع بأنواره "كحَدَثٍ" في صميم الظُّلمة المـُتربّصة في سماء الوطن، ليكون لنا النُّورُ والحقُّ والإيمان من الله الّذي يرعانا، ويُعنى بنا بمحبّته الواسعة. صحيحٌ أنّ واقعنا لم يشهد تغيُّراً ملموساً في ظاهره، لكنّ ما يُحاكينا في الصّميم يمُدُّنا بقُوّة الثّبات والصُّمود. صحيحٌ أنّنا نرجو مُعجزةً لوطننا الحبيب، وأيّامًا مليئةً بالبحبوحة والإزدهار والسّلام والطُّمأنينة، لكنّ كلام المـسيح يدعونا من جديدٍ لنكون على مثال الشّهيدَين الطُّوباويَين الجديدَين توما صالح وليونار عويس ملكي الكبُّوشيّين، اللَّذين تبعاه وهُما حاملان الصّليب زاهدَين في رَغد العيش، مُعاكسَين تيّار العالم، وهُما مُنقادان لروح الله القُدُّوس الّذي مضى بهما من لُبنان الرّسالة إلى تُركيا وبلاد ما بين النّهرين ليكونا مُرسلَين لمجد الله، حتّى الإستشهاد.
عندما نتصفّح سيرة حياتهما، نكتشفُ نقاط تلاقٍ مُشتركة تُحاكي أيّامنا، فقد عاشا في مُجتمعٍ تعدُّدي المَذاهِبِ وَالطَّوائِفِ وَفيهِ دافعا عن القِيم الإنجيليّة من حُرّيّةٍ ومحبّةٍ وقبولٍ للآخر المـُختلف، وإعلاء شأن كرامة الشّخص البشريّ، ونكتشفُ أنّهُما عاشا في ظلّ أيّامٍ صعبةٍ، في ظلّ إضطهادٍ جائرٍ بحقّ المـسيحيّين والمـُرسلين، ومع يقظة النّعمة الّتي يُحدثُها الرُّوحُ القُدُسُ في صميم قُلوبنا، نتعلّمُ أنّ عالمنا بمثابة بحرٍ هائجٍ وأنَّ مركبنا لصغيرٌ جدًّا، لكنّ إلهنا يسوعُ هو معنا وبكلمةٍ واحدةٍ يُسكتُ العواصف الهوجاء، وكانت كلمتُهُ النّهائيّة القيامة، لذا احتفالُنا بتطويب الشّهيدين توما وليونار الكبُّوشيَّين، ينطلقُ من قُوّة كلمته الّتي هي لنا روحٌ وحياة، لتكون لنا مُحفّزًا لنمضي خلف مُعلّمنا الإلهيّ مُعاكسين تيّار روح العالم، ونُحنُ بكُلّيّتنا مُنحازون لروح الحقّ والعدل والمـحبّة والسّلام.
مع الطُّوباويَّين الجديدَين توما وليونار، نحنُ مدعُوُّون لأن نكون شُهوداً للمسيح في ظلّ تعدُّديّة وطننا، ومهمّتنا الرّسوليّة تكمُنُ في إعادة ترميم ما تهدم من قيمٍ إنسانيّةٍ كيما يقوم لُبنانُ من جديدٍ وفقاً لهُويّته الّتي تجلّت لنا مع البطريرك الكبير الياس الحويك. لهذا السّبب عينه علينا أن نتشدّد ونتقوّى بالنّعمة الإلهيّة، فالرّبُّ يدعونا لئلّا نكون خمولين، بل مقدامين على صُنع الخير، ونحنُ واثقون أنّهُ ما دام "هو" معنا، لن يقوى علينا الشّرّ أبداً. فلتكُن شفاعتهُما لوطننا ولجميع أبنائه زخماً روحيًّا يُعيدُنا إلى جوهر هُويّة الوطن، ولنُكن وفق قلب الرّبّ رُسُلَ سلامٍ ورحمةٍ ومحبّة، رافضين كُلّ أشكال الإضطهاد والعُنف والإلغاءِ والقمع.
إنّ الزّمن يتقاصر، فلنصنع مُستقبلنا وفقًا لملكوت الله، عاملين اليوم بمشيئته القُدُّوسة والصّالحة، مُتعلّمين من دُروس تاريخنا ومن إرث أبائنا وأجدادنا، ومن فضائل قدّيسينا، كيف نعيشُ هُويّتنا كأبناءٍ لله.
الأخ شربل رزق الكبّوشيّ