تلك الدمية الزرقاء على صدر ليليان شعيتو أبكتنا جميعاً، هذه الدمية التي تبكي وتقول "ماما" أيقظت جسد ليليان الذي يُصارع الحياة بأعضائها التي خذلتها على سرير المستشفى منذ سنتين. وبيدها المتعبة تداعب ليليان تلك الدمية، تناجي بداخلها أن يكون ابنها علي، وكأنّ دميتها أصبحت كلّ ما تملك اليوم، وكأنّ أمومتها كُتب عليها أن تبقى معطوبة باسم الدين والخلافات والقيل والقال، وكأنّ الحياة مضت سريعاً وهي ما زالت تنتظر حلم اللقاء المؤجل.
سنتان وليليان محرومة من حقّ رؤية ابنها علي على رغم قرار المحكمة الجعفرية الذي سمح لأهل ليليان برؤيته 4 ساعات في اليوم، لكن يبقى القرار قراراً ويبقى الواقع ظلماً يتنفّس نفوذاً ووجعاً. ابنة الـ30 عاماً جسّدت بوجعها معاناة مدينة بأكملها، وبسكونها خيبة شعب ما زال يعاني من رواسب هذه الجريمة.
تلك الدمية عرّت المسؤولين والظالمين في هذا البلد، تلك الدمية فضحت نوايا كثيرين وأيقظت ثورة داخلية في نفوس آخرين. وبرغم أنّها مجرّد دمية إلّا أنّ كلمة "ماما" كانت حقيقية، أقلّه بالنسبة إلى ليليان التي تمسّكت بها وتلفّظت بكلمتها الأولى بعد عامين من الصمت.
أنظروا إلى صورتها في المستشفى، لقد سُرِقت أحلام ليليان غصباً عنها، لقد خطفوا بريق عينيها، لم تكن ليليان، الضحية الحيّة لانفجار 4 آب، أن تقاوم بهذه القوّة والحبّ لولا ابنها علي. لم تكُن ليليان لتقول كلمة "ماما" بعد سنتين على هذه الجريمة الجماعية لولا أمومتها التي تعيش في داخلها وتطالب بابنها. هي التي استطاعت أن تحرّك إنسانيتنا، ودموعنا التي لم تتوقّف منذ رؤيتنا مشهد الدمية، لم تستطع أن تهزّ ضمائر المعنيين وزوجها وعائلته، بعيداً عن المزايدات والتبريرات التي لا تساوي شيئاً أمام وجعها.
ما تعيشه ليليان على سرير المستشفى جريمة أخرى موحشة في حقّها، قتلوا جسدها في انفجار 4 آب واليوم يقتلون روحها بحرمانها طفلها. أنظر إلى أصابعها تناجي دمية، تداعب أطرافها بحنان، تشتاق إلى تلك اللمسات وتشتاق أكثر إلى الحياة... ولكن عن أيّ حياة نتحدّث وهي وحيدة من دون طفلها...حياتها!
لسنا في صدد لوم أحد، ولسنا في موقع الدفاع أيضاً، لكن مهما كانت الأسباب الموجبة التي تمنع تنفيذ حكم المحكمة الجعفرية فهي تسقط حكماً لأنّها تعارض حقّ أمومة معلّقة بين الحياة والموت.
لقاء الدمية أشعل قلوب كثيرين الذين تفاعلوا بصورة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي مطالبين بإصدار جواز سفر استثنائي بحقّ الأمومة وحقّ العلاج والسفر. صرخة جماعية للمطالبة بحقّ ليليان العاجزة عن الصراخ للمطالبة بأمومتها، اليوم أفواه كثيرة تصرخ من أجل ليليان ونيابة عنها لإحقاق الحقّ.
ونتيجة هذا الضغط الكبير على مواقع التواصل الاجتماعي مع قصة ليليان شعيتو، صدر عن المكتب الإعلامي في المحاكم الشرعية الجعفرية العليا، بيان جاء فيه "إنّ أحكاماً نهائية وقطعية صدرت عن المحكمة العليا تبيح للسيدة ليليان شعيتو وذويها رؤية ولدها".
وأوضح أنّ "تنفيذ هذه الأحكام مرتبط بدائرة التنفيذ العدلية وبالمستشفى الذي تتلقّى العلاج فيه، وبالتالي فإنّ يدّ المحكمة قد ارتفعت عن الملفّ بعد صدور الحكم اللازم، ولذلك نأمل من جميع وسائل الإعلام توخّي الدقّة في نقل الأخبار، فاقتضى التوضيح".
في المقابل، أصدرت عائلة زوجها حدرج بياناً توضيحيّاً تشرح فيه بعض النقاط وفق ما كتب، وجاء فيه "من حادثة انفجار 4 آب والإصابة البالغة التي أصيبت فيها كريمتنا ليليان شعيتو حدرج والاستثمار الرخيص لقضيتها المفبركة من أجل حسابات مادية ضيقة من جهة، ومن جهة أخرى من ضغط بعض دكاكين إعلام يسعى إلى جذب الجمهور، وتعاطف معظم الناس مع الصورة والصوت اللذين يُشكّلهما الضغط الإعلامي دون أن يتبنّى صحة الأمور، آلينا على أنفسنا عدم الانحدار إلى مستوى التراشق والسباب على وسائل التواصل الاجتماعي، والاستغلال الرخيص لهذه القضية من خلال بعض الحسابات الوهمية والجيوش الإلكترونية. كما يهدف إلى التشهير للمّ المساعدات وجمع التبرّعات أو استغلال الحادثة بهدف التصويب السياسي في ظلّ هذه الأزمات التي يعيش فيها بلدنا".
كما نشر المفتي الجعفري أحمد طالب مقطع فيديو عبر حسابه في "فايسبوك"، بعنوان "ارحموا أمومة ليليان شعيتو"، وقال: "نحن إلى جانبها ومعها بكلّ ما أوتينا من قوّة وإمكانيات، لن نسكت حتّى يتمّ حلّ هذا الأمر بإذن الله".