تحط ذكرى صدور العدد الأول من جريدة "النهار" في الرابع من كل آب، عابقة بالحنين والطموح والتصميم. الحنين يسكن حنايا الجدران التي امتلأت بافتتاحيات أرّخت لمعنى الصحافة وقدرتها على تحريك الرأي العام وتبديل مجرى المشهد السياسي. أما الطموح والتصميم فيسكنان نفوساً وقلوباً أيقنت أن الهدف ليس استمراراً في الزمن الصعب فحسب، بل انه تطوير لا يعرف حدوداً.
90 عاماً على صدور النسخة الأولى من "النهار" وقد غدا الاحتفال في 4 آب، احتفالاً بمجموعة اعلامية تضم صحيفة، وموقعين الكترونيين لبناني وعربي، وتلفزيوناً رقمياً، ومركزا للتدريب، وجمعية شبابية. ويواكب المجموعة انتشار متطور على مواقع التواصل الاجتماعي، تشهد له عملية انتاج الفيديو والغرافيكس والافكار الجديدة للتفاعل مع فئات كبيرة من القراء تتنوع اهتماماتهم.
صحيح أن 4 آب هو موعد للتأكيد على الثبات في معركة الدفاع عن الدولة والحريات العامة والفردية ومعنى لبنان والقانون والمؤسسات ومصالح الشعب، لكنه اليوم أكثر من أي يوم مضى تاريخ لاعلان المضي في الدفاع عن مهنة الصحافة وقيمتها المعنوية العميقة وضرورة تطورها. ولا يكون دفاع من دون شراكة مع قارىء -مشاهد يبحث عن النبأ الحر والأكيد، والتحليل الرصين والمعلومة المفيدة. وتتمثل الشراكة بين الطرفين في شعار دعم الصحافة المستقلة، ومن الامثلة الجلية تجربة "بريميوم" النهار التي تخاض برؤية حداثوية تدرك مآل التكنولوجيا وتأثيراتها المتسارعة في القطاعات كافة. تقف "النهار" في الصفوف الأمامية لمرحلة النضج الرقمي وتأمين الموارد لتقديم الافضل، مستلهمة ماضيها وعراقتها وثقة قرائها، وروح العصر وقراءتها الجادّة في العوامل التي تحكم المشهد الاعلامي العالمي اليوم.
تبث رسالة الى الرأي العام مفادها أن "صحافيينا يجهدون في انتاج موادهم وفي ملاحقة المعلومات من أجلكم، انهم جنود الحقيقة والالتزام الأخلاقي. لذا يغدو دعم الصحافة المستقلة واجب كل حريص على مجتمع حر وديموقراطي".
وفي عصر بات كثر يستسهلون فيه انشاء مواقع واتباع سياسة سرقة مجهود غيرهم والاستفادة منه في عملية الاتيان بترافيك عبر السوشيل الميديا، تعلن "النهار" حرباً لا هوادة فيها من أجل مكافحة ظاهرة خطرة تنتهك حقوق الآخرين. القانون وسيلة، وكذلك بث رسائل الوعي.
ولا تقتصر المعركة على مواجهة شرور القراصنة واللصوص الافتراضيين، بل تشمل أيضاً معارك مفتوحة في مواجهة الأخبار الكاذبة وملاحقة مصادرها وكشف الحقيقة للقراء عبر خدمة اخبارية متأهبة على مدار الساعة لتعقب الملفقين والمفبركين، دفاعاً عن الوعي الانساني.
وفي موازاة كل ذلك، يبقى التزام تجاه مجتمع أنهكته السياسات الفاشلة والفوضى وأزمات المؤسسات. رغم السوداوية، بث الايجابية ليس اختلاقاً، بل هو صنو شعب خلاق تقدّره "النهار" وتدرك قدراته الجبارة وصموده. وله ألف تحية ووردة.
التحية هي فعل ايمان بقدرة الفرد على احداث فرق مهما كان صغيراً. هي تسليط الضوء على مهارات شعب وتمسكه بخيط الأمل. فالسوداوية ليست قدراً. والصورة التي نراها سلبية في أحيان كثيرة ليست كل الحكاية. ومن السهل الاستدلال على الأمر متى ما نزلنا الى أحياء وشوارع قرى ومدن لبنانية من الشمال الى الجنوب، متى حدّقنا في وجوه أصحاب المشاريع والمطاعم والنجارين والحدادين والصيادين والمحامين والمهندسين والأطباء والصيادلة والخياطين والفنانين ومصففي الشعر والصحافيين وصانعي الحلويات والنحاسين وغيرهم من الكادحين والصابرين والمتأملين.
الصمود والاستمرار في العمل برضا رغم كل شيء يصنعان دينامية لبنانية عصية على التعطيل، ويحكيان قصة شعب ولّاد لا تهزمه الأزمات. قصة وجوه طيّبة، اختارت البقاء مهما عظُمَت التحديات.
صحيح أن الزمن صعب وأن الاعلام يواجه تحديّات مادية ومهنية غير مسبوقة، لكننا نؤمن برسالتنا ولبناننا ونقدّر تطلعات قرائنا ومشاهدينا وتوقعاتهم. في عيدها، "النهار" تكافح ما يتسلل الى النفوس من يأس بحبر الأمل. و"النهار" مدينة في جريدة، في جعبتها الكثير دفاعاً عن بيئة وتعليم وثقافة وحرية وحقوق انسان ومهنة ولبنان أفضل.