عاين مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، اليوم، في المستشفى، الموقوفين لدى أمن الدولة الذين جرى تعذيبهم؛ وذلك بعد معاينة مكان التوقيف وإجراء التحقيقات الضرورية هناك، وفق ما أفادت مصادر قضائيّة.
ومن المقرّر أن يُحال العسكريون الموقوفون على قاضي التحقيق العسكريّ لمتابعة التحقيق معهم.
يُذكر أن تحقيقاً مع موقوفين من التابعية السورية أدّى إلى وفاة موقوف واحد، وإلى إلحاق الأذى بمواطنيه الآخرين.
وأمس، أوضحت المديريّة العامّة لأمن الدّولة – قسم الإعلام والتّوجيه والعلاقات العامة، في بيان "أن جريدة "الأخبار"، نشرت في عددها الصادر اليوم الجمعة، 2-9-2022، مقالاً حول ظروف توقيف خليّة تابعة لتنظيم داعش الإرهابيّ، ووفاة أحد الموقوفين. إن المديريّة العامّة لأمن الدّولة، الحريصة دائماً على المصداقيّة والموضوعيّة والشفافيّة، توضح أنّه بنتيجة التحقيقات التي أجرتها مع أفراد الخليّة، اعترفوا بمعلوماتٍ أدّت إلى توقيف شريك لهم. وأثناء التحقيق معه، اعترف بدوره بأنّه ينتمي إلى تنظيم داعش الإرهابيّ، وأنّه كان من عِداد مقاتليه، ويدين بالولاء لهم".
وقالت: "إن المديريّة العامّة لأمن الدّولة، التي سارعت إلى وضع هذه الحادثة بيد القضاء المختصّ والذي كانت تُجرى التحقيقات بإشرافه، يعود إليه حصراً جلاء كامل ملابسات ما حصل، وإجراء المقتضى القانونيّ بإشرافه، تحرص دائماً على المصداقيّة وعدم خلق ظروف متوتّرة، في هذه المرحلة الصّعبة والخطرة من تاريخ لبنان، بسبب الأوضاع الأمنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، في حين يجب تضافر الجهود من كل القطاعات والتصرف بمسؤوليّة وطنيّة للوصول الى مرحلة الاستقرار في المنطقة، بعد السّير بالحلّ العادل للجميع".
وفي وقت سابق، غرّد النائب ملحم خلف عبر "تويتر"، قائلاً: يوم سعينا جاهدين لتعديل المادة 47 أصول جزائية وفرضنا إلزامية حضور محام خلال التحقيق الأولي، كان من أهدافه منع حصول أي تعذيب خلال التحقيقات؛ كم هو عار امتناع بعض الأجهزة الأمنية عن تطبيق هذه المادة! وكم هو عار أن يحول لبنان من دولة مشاركة في صوغ شرعة حقوق الإنسان إلى دولة بوليسية أمنية منتهكة لكل أنواع حقوق الإنسان وممتهنة لكل انواع الترهيب والتخويف والتعذيب! فليحساب فوراً كل من تسبب بموت الموقوف لدى أمن الدولة".
من جهته، ندد رئيس لجنة حقوق الإنسان النائب ميشال موسى بالحادثة، معتبراً أن "مثل هذا العمل جريمة نكراء في حق الإنسان أياً تكن جنسيته وانتماؤه".
ولفت في بيان إلى أن "لبنان الذي صادق على اتفاقية مناهضة التعذيب التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولاحقاً البروتوكول الاختياري، وأقر القانون 65 العام 2017 المتعلق بمعاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، واستحدث الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة مناهضة التعذيب، لا تزال سلطاته تتقاعس عن توفير كل ما يتيح لها البدء فعلياً بعملها وترجمة هذا القانون الواضح جداً".
وإذ جدد الدعوة إلى الإسراع في تفعيل الهيئة الوطنية، دعا القضاء والأجهزة الأمنية إلى "التزام تنفيذ القانون الذي يحدد آلية الاستجواب في حالات التوقيف، ويمنع تكرار مثل هذه الجرائم".
وطالب بـ"فتح تحقيق جدي في هذا الارتكاب، ومحاسبة جميع الذين تجاوزوا حد السلطة والقانون".
بدورها، استنكرت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان ما حصل، وأعربت عن قلقها "إزاء المعلومات والصور المتداولة حول ظروف مقتله جراء التعذيب الوحشي الذي تعرض له أثناء التحقيق معه".
وخلصت في بيان إلى تقديم هذه "التوصيات العاجلة: "تجميد جميع اعمال التحقيق في جميع المكاتب الإقليمية التابعة لجهاز أمن الدولة وحصرها بمركز الاحتجاز المركزي في المديرية العامة في الجناح بإشراف القضاء المختص، مع مراعاة الالتزام الصارم بتطبيق القانون رقم 191 الذي يرمي الى تعزيز الضمانات الأساسية وتفعيل حقوق الدفاع في قانون أصول المحاكمات الجزائية، لا سيما المادة 47 من القانون التي تكرس الحقوق الآتية للمشتبه بهم: الحق بحضور المحامي خلال الاستجواب او الاستماع الى اقوال المشتبه به وبسرية المقابلة بينهما قبل التحقيق، تحديد ماهية الطبيب الذي يحق للمشتبه به أن تتم معاينته من قبله على أن يكون طبيب شرعي، إلزامية الاستعانة بمترجم للأجانب وبسرعة، النص على مبدأ السرعة في الاستماع الى الاقوال، أحاطت المشتبه به علما بالشبهات القائمة ضده واطلاعه على الأدلة المتوافرة لديه، الزامية تصوير إجراءات الاستماع/ الاستجواب كضمانة إضافية لجهة منع التعرض للتعذيب ولمصداقية التحقيق وكوسيلة إثبات للمشتبه فيهم لجهة عدم مراعاة الضمانات الأساسية ما يرتب على ذلك من نتائج قانونية على صعيد بطلان المحضر والإجراءات اللاحقة له".
منيمنة يدعو إلى حل جهاز أمن الدولة
من جهته، أشار النائب إبراهيم منيمنة، في بيان، إلى أنه "أمام هول الجريمة التي ارتكبت بحق موقوف لدى أمن الدولة، وما أظهرته وسائل الإعلام من تعذيب تعرض له قبل وفاته، نجد أنفسنا كمشرعين في البرلمان اللبناني أمام انتهاك فاضح للإنسانية، يحتّم علينا من موقع المسؤولية الأخلاقية تفعيل خطوات عملية تجاه جهاز أمني توالت فضائحه لسنوات طويلة، سواء عبر اتهامات ثبت تلفيقها بحق مواطنين، أو شكاوى التعذيب الموثقة في القضاء اللبناني والمنظمات الحقوقية".
وحمّل "رئاسة مجلس الوزراء التي يتبع إليها هذا الجهاز، مسؤولية هذه الجريمة كاملة، بما فيها التقاعس والتغاضي عن مساءلة الجهاز وعناصره ورئيسه".
وذكر "بالجهد الذي سبق وبذل لناحية تعديل المادة 47 أصول محاكمات مدنية، لمحاولة وقف هذه التجاوزات أثناء التحقيقات، كما ولالتزام لبنان في العام 2000 بالاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أواللاإنسانية أو اللامهنية وتوقيعه البروتوكول الخاص بها عام 2008، وعملاً بأحكام القانون رقم 65/2017 المتعلق بمعاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية والذي يرسم إطار التعاطي والتجريم في مثل هذه الحالات، ووجود الهيئة الوطنية لمكافحة التعذيب التي لا بد من تفعيل دورها".
وطالب بـ"تحقيق شفاف أمام القضاء العدلي، بعيداً من المحكمة العسكرية غير المختصة، وإحالة المتورطين كافة أمامه لإنزال العقوبة المناسبة بحقهم".
وقال: "إن جهاز أمن الدولة قد أثبت فشله وتسلطه وبطشه وتماديه، ولا بد من أخذ الإجراءات الضرورية لحله، لاسيما ان المهام المنوطة به يمكن لباقي الأجهزة الأمنية أن تتولاها، وذلك يستتبع ضم عناصر الجهاز إلى الأجهزة الأمنية الأخرى الفاعلة، في ظل الوضع الدقيق الذي تمر به البلاد وتغطية النقص الذي تسببت به تلك الأزمة في هذه الأجهزة".
كما طالب "القضاء اللبناني بتحمل مسؤولياته لناحية البت المستعجل في دعاوى التعذيب وعدم المماطلة والتسويف بها، والبدء بمحاكمات فورية للموقوفين".
وختم منيمنة: "إننا إذ نؤكد أننا سنحرص على متابعة هذه القضية على مختلف المستويات ومن داخل البرلمان عبر السعي للعمل على مشاريع القوانين المؤثرة في هذا المجال وصولاً إلى حل هذا الجهاز، سنضع الرأي العام اللبناني في تطوراتها والنتائج التي سنتوصل إليها، لما فيه صالح الإنسان ومناصرة لمفهوم العدالة وتطبيقا للقوانين والاتفاقيات الدولية، التي لا بد أن تحكم حياتنا في هذا البلد".
مارك ضو: الانجازات الأمنية لا تُصنع تحت الضرب والتعذيب الوحشي
وغرد النائب مارك ضو عبر "تويتر" قائلاً: "تعذيب موقوف حتى الموت من قبل عناصر في جهاز أمن الدولة جريمة وحشية تظهر تحلّل الدولة وانعدام الرقابة وعدم احترام القوانين وانتهاك صارخ لمعايير حقوق الإنسان الدولية".
وأضاف: "نطالب بتحقيق شفاف أمام القضاء العدلي بعيدًا عن المحاكم الاستثنائية، وتطبيق ما ينص عليه قانون مناهضة التعذيب 65/2017 الذي يشدد العقوبة على هذه الممارسات، وتفعيل دور الهيئة الوطنية لمكافحة التعذيب".