تتواصل التحقيقات لجلاء ملابسات حادثة القرنة السوداء، وقد قارب عدد الموقوفين الثلاثين شخصاً من بشري وبقاع صفرين.
الاحتمالات تبدو مفتوحة، بدءاً من الشخصي، مروراً بالعقاري، وصولاً إلى المائي المزمن، فالطابور الخامس الذي ربما استغل كما يقول البعض إقامة خيم لسباق "التزلج" الذي كان سيجري يوم الأحد برعاية قائد الجيش ومن تنظيم هيئة الحفاظ على البيئة. وقد كتب في هذا الشأن الدكتور يوسف طوق: "من المفروض أن يكون اليوم عيد الفرح و البيئة و الرياضة و السلام، و لكن تحول إلى يوم حزن و قرف بسبب الغباء والجهل و الحقد".
وبانتظار معرفة نتائج التحقيقات، عادت إلى الواجهة مسألة الحدود في القرنة السوداء التي تشكّل نقطة حدود مشتركة بين عدة أقضية أقلّه حتى الآن.
ويقول الدكتور عصام خليفة: "طلب مني الدكتور أنطوان الخوري طوق زمن رئاسته بلدية بشري رأيي بحدود القرنة السوداء استناداً إلى الأرشيف العثماني.
وكان ردي أنه استناداً إلى المساحة التي أجراها المتصرف داوود باشا سنة 1867، فالقرنة السوداء تتبع بشري ضمن نطاق المتصرفية، هذا في زمن المتصرفية".
يضيف الدكتور خليفة: "اليوم يبدو أن هناك مساحة أخرى زمن الانتداب الفرنسي يستشهد بها البعض تقول إن القرنة السوداء تتبع الضنية، لكن لم أطّلع على هذه المساحة".
وحول الإشكالات التي تحدث صيفاً وأدت بالأمس الى مقتل شابين، يقول: "المنطقة غنية بالمياه وهي تكفي بشري والضنية وإهدن ويفيض عنها، ولكن مع الأسف الدولة لا تريد أن تدير المناطق، بل أن تدير الصراعات بين المناطق أو تنظيم الصراعات بين المناطق، وهذا ورثته من زمن الأتراك، لذلك نرى صراعات متنقلة بين المناطق على ملكية الأراضي وتوزيع المياه والمراعي، فالمطلوب من القضاء البتّ سريعاً بكل النزاعات على الحدود العقارية".
وفي ما خصّ مأساة اليوم، المطلوب الاقتصاص ممن ارتكبوا هذه الجريمة لدرء الفتنة التي قد تتنقل بين منطقة وأخرى اذا لم تحل هذه المشكلة المزمنة، ومن الأهالي الاحتكام إلى القانون.
ويشير إلى أن "هناك مغالطة يقع فيها الجميع من خلال ترداد عبارة الترسيم، فهذه العبارة تستعمل بين دولة وأخرى، أما داخل الدولة الواحدة فيقال تحديد وتحرير المناطق العقارية".
بالنسبة إلى الضنية، "فقد درسنا - في الصف السابع أيام "السرتيفيكا "التي كنا نقدم لها امتحاناً رسمياً بالعربية وآخر بالفرنسية ونعتز بشهادتها للانتقال إلى المرحلة التكميلية والبريفيه – أن القرنة السوداء أعلى قمة في لبنان تقع في منطقة الضنيه ولم نسمع حينذاك اعتراضات على ما كُتب".
بالنسة إلى إهدن يتهم الناشط على صفحات التواصل الاجتماعي المهندس جورج بطرس سعاده قيادات زغرتا والبلدية بالتخلي عن حقوق القضاء في القرنة ويقول: "من المُستغرَب وقوف فعاليات إهدن وبلديتها على الحياد في ما خصّ ملكيّة القرنة السوداء وهي الأقرب جغرافيّاً لحدود إهدن وحرشها، خاصةً وأنّها أقرب بكثير من بقاعصفرين".
ويضيف: "هل القرار مُتخّذ بالتخلي عن الحقوق الجغرافية لإهدن، مع العلم أنّ الطرقات التي شُقّت للوصول إلى القُرنة جرى تنفيذها في عهد الرئيس فرنجيّة وكان الصعود إليها من إهدن جزءاً من ذاكرتنا الطفوليّة؟ نرجو من المسؤولين إعادة النظر في الموضوع والدخول طرفاً في أي مفاوضات حول ترسيم الحدود والملكيّة الحقيقية".
وفي السياق نفسه يروي الرعاة من إهدن أنهم كانوا فيما مضى يسرّحون قطعانهم على اختلافها أيام الصيف في مآيل القرنة، ويسقون الماشية من مياه بركها دون أن يُخبروا بأن أحداً اعترضهم على ذلك.
واليوم ماذا يمنع البلدات على المقلب الآخر من المكمل من ادّعاء ملكية القرنة التي تطل على عيون أرغش ودير الأحمر والهرمل والجوار؟
صحيح أنه قيل "ما مات حق وراءه مطالب"، لكن الحق لا يؤخذ بالقوة، ولا بالهوبرة، ولا بقوة السلاح والتعدي على الآخرين، بل بقيام الدولة بواجبها لمنع المزيد من إراقة الدماء وتطبيق المثل القائل: "اعطِ ما لقيصر لقيصر، وما لله لله".