لا تزال تداعيات الهزّة التي يرجح أنها حصلت نتيجة تفجير في كسارات التويتة - قضاء زحلة تتوالى، فما قد تحمله تفجيرات مماثلة أخطر ممّا يبدو عليه الواقع أو أقلّه ما نعرفه كشعب، إذ لا يمكن حصر ما يجري في خانة الأعمال المحدودة في إطار معيّن، وإنّما قد تكون سبباً لما هو أكبر من ذلك. هذه الأعمال قد تولّد زلازل لا تحمد عقباها.
لا نزال ننتظر خروج المسؤولين والإشارة الى الحقائق كاملة، وأخذ الإجراءات الصارمة في حق المتلاعبين بالفوالق إذا ثبتت الشبهات التي يرجحها خبراء.
سؤال واحد يُطرح اليوم في ظلّ فوضى الكسارات والأعمال البشرية التي تطلق عنانها في بعض المناطق، فما شهدته منطقة جرود كسروان في 6 أيار ومن ثمّ ما يُحتمل أن تكون زحلة شهدته أكبر دليل على أنّ هذه الأعمال ليست بريئة وأنّ توقيتها مريب، وما قد تحدثه من مخاطر يستوجب دقّ ناقوس الخطر للتنبيه والتحذير.
ينطلق الباحث والأستاذ المحاضر في الجيولوجيا وعلم الزلازل في الجامعة الأميركيّة في بيروت الدكتور طوني نمر من قاعدة بيانات من 1294 حالة موثّقة حول العالم من سنة 1868 حتّى الآن، عن الأحداث الزلزالية التي تتسبّب بها الأنشطة البشرية. يشرح لـ"النهار" أنّه عملياً عندما نفجّر الصخور، ونحن على مسافة قريبة من الفالق كما هي الحال في زحلة أو في جرود كسروان، فإننا بذلك نغيّر قواعد الضغوط في مكان التفجير وامتدادها إلى أماكن أخرى عبر الفالق. وإذا حصل ذلك نُسبّب بطريقة ما تحريك الفالق (لأنّنا نغيّر ضغوطه) وبالتالي يؤدّي إلى حدوث هزّات.
ومن المهمّ أن نعرف أنّنا نجهل مدى تحرّك الفالق نتيجة هذه الضغوط سواء بشكل صغير أو بشكل كبير، وبالتالي لا يمكننا معرفة حدوث هزات صغيرة أو كبيرة نتيجة هذه التغييرات الناتجة من التفجيرات. لذلك يجب الابتعاد قدر الإمكان عن الفوالق الزلزالية.
ولكن ما الذي يمكن حدوثه؟ لمعرفة واقع ما قد نكون مقبلين عليه، يعود نمر إلى ما حصل قبل شهر في جرود كسروان حيث حصل تفجير على وجه الأرض ولكن بعد مرور ساعة سُجّلت هزّة على عمق 9 كيلومترات. ما الرابط بينهما؟ ما جرى أنّ هذه الضغوط لم تتغيّر على الفالق فقط بل أدّت الارتجاجات إلى تمدّدها على الفالق ما أثّر على الأخير على عمق 9 كيلومترات، وهذا أمر خطير ولا يمكن التلاعب به. إذن، يمكن لهذه التأثيرات استحثاث زلازل نحن في غنى عنها.
( الصورة التي التقطت في زحلة).
ويشدّد نمر على أهمية عدم العمل بطريقة عشوائية والابتعاد عن الأماكن الخطرة التي يمكن أن تُسبّب الكوارث. "لستُ أطالب بتوقيف الكسارات إلّا أنّ واجبي التحذير من خطورة ما يجري. لذلك اذا لم تُجرَ دراسات كافية حول هذا الموضوع، ننصح بعدم دخول الكسارات في ما يجهلونه لأنّ المسألة كبيرة وخطيرة".
وتعود مسافة الابتعاد عن الفالق وفق موقع كلّ فالق، ولكن "يمكنني القول إنّ أخطر موقع يمكن أن يُحدث زلزالاً هو الذي تمّ تصويره في زحلة، ما يؤكّد أهمية الابتعاد عن هذه المواقع وعدم الدخول في مشكلة حقيقية نحن في غنى عنها. الحائط في صورة زحلة هو حائط طبيعيّ من الصخر وهو عبارة عن جزء ظاهر من فالق كبير في المنطقة هو على الأرجح فالق اليمونة. ونتيجة ذلك حذّرت بشدّة من القيام بأيّ تفجيرات في أماكن كهذه لأنّ الموضوع ذو خطورة استثنائية من ناحية إحداث الزلازل".
وعن الأنشطة البشرية التي يمكن أن تُسبّب الزلازل؟ يشير نمر إلى أنّ هناك عدّة فئات من الزلازل التي تتسبّب بها الأنشطة البشرية أهمها:
1- الاستخراج من باطن الأرض
* استخراج المياه الجوفية
* المناجم واستخراج المعادن
* استخراج النفط والغاز
* استخراج الحرارة الجوفيّة
2- الحقن في باطن الأرض
* التخلص من المياه العادمة
* ضخ المياه لاستخراج الحرارة الجوفية
* التكسير المائي للصخر النفطي
* ضخ المياه لتحسين استخراج النفط
* ضخ الغاز لاستخراج النفط
* ضخ ثاني أكسيد الكربون لاستخراج النفط
* احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه
3- العمليات السطحية
* استخراج المعادن والكسارات والمحاجر
* إنشاء المباني الشاهقة
* ردم البحر لزيادة المساحات البرّية
* بناء السدود وحجز المياه خلفها
4- التفجيرات الجوفية
وتبقى تأثيرات بعض الأعمال البشرية أكبر من غيرها، ويشرح نمر أكثر قائلاً إنّه "من أصل 1294 حالة موثّقة عن الزلازل الناجمة عن الأنشطة البشرية هناك 33 في المئة من هذه الحالات هي نتيجة التكسير المائيّ للصخر النفطيّ، و25 في المئة من الحالات تعود لاستخراج المعادن والمناجم ومن ضمنها الكسّارات، وهي موثّقة لدينا في لبنان، ونلاحظ مدى تكاثر الهزّات في أماكن الكسّارات وتوقيت عملها. كما هناك 15 في المئة من الحالات حول العالم تعود إلى السدود و11 في المئة من الحالات نتيجة استخراج النفط والغاز في أماكن قريبة من الفوالق، ثمّ يأتي استخراج الحرارة الجوفية في 6 في المئة من الحالات، يليها التخلّص من المياه العادمة بنسبة 5 في المئة من الحالات و2 في المئة من الحالات ناتجة عن التفجيرات النووية، بالإضافة إلى باقي الحالات التي تُشكّل 3 في المئة".
أمّا في لبنان، فالحالات التي "نتحدّث عنها تتركّز أكثر حول الكسّارات والسدود، ومنها سدّ بسري حيث يشار الى خطورته منذ عام 2019، لأنّه يُقام على ملتقى فالقين زلزاليّين. وهذا ما دفعنا إلى رفع الصوت وإجراء دراستين حول هذا الموضوع، ونحن في صدد إطلاق دراسة ثالثة لأنّ الموضوع خطير ولا نريد إنكار الواقع".
وأمام هذا الواقع، ما هي الفوالق الأكثر خطورة في لبنان؟ المشكلة في فالق اليمونة أنّه يمرّ في لبنان من الجنوب إلى الشمال، ورصد الكثير من الهزّات الناتجة من تكاثر الكسّارات حوله، ولكن يجب التوقّف عن هذه الأعمال لعدم إيقاظ "الديناصور" النائم في باطن الأرض، والابتعاد عن هذه الفوالق كفالقَي اليمونة وروم.
خلاصة لكلّ ما سبق، يهمّ نمر التركيز على نقطتين: الأولى تتمثّل بالابتعاد أوّلاً عن هذه الأماكن القريبة من الفوالق الزلزالية، وثانياً إجراء دراسة مفصّلة للموقع قبل العمل به بطريقة عشوائية. نحن لا نتحدّث من باب الهجوم على الكسّارات وإنّما هدفنا التوعية ومعرفة أنّ بعض هذه الأعمال من شأنها أن تُسبّب حدوث زلازل في لبنان. وبالعودة إلى الحالات الموثّقة سابقاً حول العالم يمكن أن نلاحظ أنّ بعضها وصلت قوّة الزلزال فيه إلى 7.8، كما حصل في الصين، والسبب كان سدّاً وليس تفجيراً. كذلك تعود قوّة الزلزال وتأثيره إلى مدى تمدّد الضغوط على الفالق".