وسام إسماعيل
في وقت أعلنت الدولة عن استعداداتها وجهوزيتها لاتخاذ كافة الإجراءات في مواجهة الكوليرا، ووسط زيارات متكرّرة لوزير الصحة فراس الأبيض إلى منطقة بعلبك الهرمل، وتشكيل خليّة أزمة خاصّة لمواجهة الأوبئة ومنها "الكوليرا"، حظيت بلدة الكنيسة، مروراً ببلدات شليفا، بتْدعِي، ودير الأحمر، وبدءاً من سهل إيعات بأكبر مستنقع من المياه الآسنة، التي تخرج من محطة إيعات التي أُنشئت بتمويل من البنك الدوليّ، وبدأ تشغيلها في العام 2008 لتستوعب مياه الصرف الصحيّ من شبكات مدينة بعلبك وقرى دورس وعين بورضاي والجماليّة وحوش تل صفية.
تحذيرات متكرّرة تصدر عن رؤساء بلديات بعلبكية واتحادات، وآخرها نداء محافظ بعلبك بشير خضر الذي نادى بضرورة تشغيل محطة التكرير الموجودة في إيعات لتفادي انفجار بيئيّ حقيقيّ، من دون أن تجد النداءات جميعها آذاناً صاغية لدى المسؤولين.
وقد دفع الوضع المتفاقم رئيس اتحاد بلديات دير الأحمر جان الفخري إلى الكشف عن أنّ الاتحاد في صدد الإعلان عن حالة طوارئ، خاصّة أن الأمراض تطال الأطفال، والأهالي بدأوا يشهدون طفرات جلديّة غير معهودة.
وحذّر الفخري من خطورة ما يجري، لا سيّما أن المياه الآسنة التي تشكّل مستنقعات تمرّ بجوار مدرسة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات الواقعة عند مدخل بلدة دير الأحمر، وتضمّ نحو 500 تلميذ، بالإضافة إلى وجود أماكن سكنيّة ومعامل وأراض زراعيّة على مسافة عشرات الكيلومترات قبل أن تشكّل المياه مستنقعات تغطّي أكثر من 500 دونم. وما يزيد الأمر خطورة إقدام بعض المزارعين على سرقة المياه الآسنة من داخل مجرى الصرف الصحيّ لريّ مزروعاتهم من دون الأخذ بالاعتبار الضرر الذي تسبّبه للأهالي.
وأكّد الفخري أنه "منذ تولّينا رئاسة الاتحاد ونحن نعمل مع البلديات المعنيّة على متابعة الملف، وعلى المطالبة بمعالجته، لكن من دون أيّ اهتمام من قبل وزراء ونواب المنطقة، علماً بأنّ هذه المحطّة المتوقّفة عن العمل، إن تمّ العمل بها، فهي غير مؤهّلة لمعالجة ما تفرزه محطات الوقود والمعامل وغيرها".
أهالي بلدة الكنيسة الذين خسروا نصف مساحة الأراضي الزراعية بعد أن تحوّلت لمستنقع كبير من مياه الصرف الصحي، نفّذوا اعتصاماً تحذيرياً أمام بحيرة المياه الآسنة بمشاركة النائب غازي زعيتر ومخاتير وفاعليات من البلدة.
خلال الاعتصام، أكد زعيتر أن "المياه الآسنة تسبّبت بكارثة صحيّة في بلدة الكنيسة، بسبب توقف المحطة عن العمل، فتسرّب المياه من إيعات إلى دير الأحمر والكنيسة يجعلنا نطلق الصرخة من أجل وضع حدّ لما يجري".
وأضاف: "يعملون على معالجة الكوليرا، وهم يبعثون بها إلينا. أجريت اتصالا برئيس مجلس الإنماء والأعمار نبيل الجسر الذي أوضح بأنّ المجلس أقرّ ٦٠ مليون دولار لمحطات البترون وتمنين واحد، وتمنين ٢، ومعلوماتنا بأنّه ليس هناك من قدرة على التمويل، والمطلوب أولاً من الدولة الرعاية الصحيّة، والحفاظ على صحة الأهالي، ورفع الضرر عنّا قبل أن نقوم برفع السواتر الترابية من حدود أراضي الكنيسة بعدما تحوّلت أرضنا إلى مناطق سامة".
أما مختار بلدة الكنيسة نواف زعيتر فأكّد أن "هناك منازل أصبحت آيلة للسقوط، بسبب برك ومجاري المياه، كما أن الأراضي باتت غير صالحة للزراعة، إضافة إلى إبادة جماعية قد تشهدها المنطقة جراء انتشار الأوبئة التي تسبّبها مياه الصرف الصحي".
ويوضح مصدر من داخل مؤسّسة المياه أن سبب توقف محطة التكرير عن العمل منذ أشهر يعود لعدم توفر المبالغ الماليّة لتشغيل المحطة، التي تديرها المؤسّسة، بعد أن أنهى المشغّل الأخير إدارتها، إضافة إلى أزمة إدارية تواجهها المؤسّسة بعد قرار اتّخذه رئيس إدارتها رزق رزق بالتخلّي عن إدارتها، لتبقى المؤسّسة من دون إدارة فعليّة وأصيلة.
ويرى المصدر أن" الحلّ ليس في يد مؤسّسة مياه البقاع ولا أيّ مؤسسة مياه أخرى، إنّما هي مسؤولية الدولة اللبنانية مجتمعة، والتي عليها إصدار قرارات وتشريعات يمكن أن تتضمّن رسم معالجة للمياه الآسنة على الوحدات السكنيّة"؛ وهذا برأيه يبدو صعب التطبيق في ظلّ ظروفنا حالياً، حيث يتساءل إذا كان الجزء الأكبر من سكّان المنطقة يتهرّبون من دفع اشتراكات مياه الشّفة، فكيف يمكن أن نتوقّع من مؤسسة مياه البقاع أن تضيف عبء معالجة الصرف الصحيّ على ميزانيتم في ظلّ الظروف الصعبة التي نواجهها؟