أعادت الساعات الماضية إلى الواجهة ملف الأبنية المتصدِّعة والمهدَّدة بالسقوط، والتي تفاقمت طبعاً خطورتها مع الهزة الأرضية التي ضربت لبنان وبلغت 4.8 على مقياس ريختر.
وفي حين أفاد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي في حديث لـ"النهار"، أنّه "تأكّدنا من عدم وقوع انهيارات كبيرة في كل لبنان"، انهار منزل في بلدة عين عطا في قضاء راشيا دون وقوع ضحايا، إضافة إلى أضرار ماديّة محدودة وتصدّعات في المنازل في الهرمل، كما انهار سقف أحد المباني في منطقة الحاووظ في القبّة، أدّى إلى سقوط جريحين. إلى جانب وقوع بعض الأحجار،وتوثيق تفسخات في جدران المباني.
ما واقع المباني المتصدِّعة بعد الهزة الأرضية اليوم؟ وهل وجود شرخ في مبنى ما، يهدّده بالسقوط؟
تغيب الدراسات والمسوحات الرسمية حول عدد المباني المهدَّدة بالسقوط، لكن بالدرجة الأولى، المباني التي شُيّدت في الستينيات هي الأكثر عرضة للسقوط، بحسب الأستاذ المحاضر في الترميم بالجامعة اللبنانية والمهندس المختص في ترميم المباني الأثرية، شوقي فتفت. وفي حديثه لـ"النهار"، يسرد أنّه في تلك الفترة، كان استقدام الباطون مختلفاً، إضافة إلى ما تلاه من فوضى الحرب التي أدّت إلى بناء عمران مخالِف.
وفي لبنان، المباني التراثية غير مجهّزة لمقاومة الزلازل لكونها مبنيّة من حجر، وكذلك مباني الباطون في الوحدات العشوائية، الموجودة في مناطق في بيروت وطرابلس وبرج حمود، حيث شهدت هذه المناطق فوضى عمرانية، وهي مبانٍ تتعرّض لتهديد خطير بدأ من قبل الهزة الأرضية اليوم، وتفاقمت خطورتها معها، بحسب شرح فتفت.
ولا يمكن تحديد فترة لسقوط هذه المباني. فمثلاً، المباني الباطونية، تظهر عليها التصدّعات التي تمثّل الإنذار الأول، وفي أيّ لحظة، يمكن لبعض منها أن يتدهور لدى وصوله إلى مرحلة ذروة التصدّع والخطورة، وقد لا ينهار بسبب هزة أرضية. إضافة إلى أنّ عوامل الطقس السيئة من هواء ومياه أمطار، تفاقم قطعاً خطورة هبوط هذه المباني المتصدّعة.
ولدى رؤيتهم أي شقّ صغير، يخاف الناس، ولا يعرفون مدى خطورة هذا التشقق إن كان فعلاً تصدّعاً خطراً أم شقاً سطحياً. لذا، ينصح فتفت بكشفٍ فنّي مختصّ لدى وجود تصدّعات خفيفة، أمّا إن كان التصدّع خطيراً، فهو يظهر بالعين المجرَّدة. أحياناً، هناك شروخ صغيره قد تكون طبيعية غير عميقة ولا تشكّل أي خطر. و"هذه المنازل المتصدّعة هي قنابل موقوتة يمكن أن تهبط في أيّ لحظة"، كما يرى فتفت. فقبل الهزة الأرضية، كانت هناك مناشدات لإخلاء بعض المنازل المهدّدة بالسقوط في طرابلس.
مرحلة ناقوس الخطر...
وفي حديثها لـ"النهار"، تشير رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات، المحامية أنديرا الزهيري، إلى "أنّنا الآن في مرحلة ناقوس الخطر والقنابل التي تتجسّد بالوحدات المهدَّدة بالسقوط، ولا سيما في طرابلس، بحيث أُرسلت إنذارات لسكان بعض المباني لإخلائها بسبب تشكيلها خطراً على سلامتهم. والأسوأ لم يأتِ بعد من جراء الهزات الأرضية التي تعرّض لها لبنان، وسنشهد تداعياتها في الوحدات المهدَّدة بالسقوط التي تفاقم تصدّعها".
وفي الأرقام، هناك نحو 16260 مبنى متصدّعاً وآيلاً للسقوط من الجنوب إلى الشمال، منها 4000 في الشمال فقط. وفيما كان نحو 10460 مبنى آيلاً للسقوط في بيروت قبل انفجار المرفأ، ارتفع العدد إلى نحو 65744 وحدة متضرّرة، وفق المسح الجزئيّ الذي أقيم حينها. بالإشارة إلى أنّ هناك مبانيَ محدّدة يجب أن تكون أكثر متانة من غيرها في مواجهة الزلازل، كالمستشفيات ومراكز الدفاع المدني، ولاسيّما المدارس، بحيث تشير الإحصاءات إلى وجود أكثر من 100 مدرسة متصدّعة في لبنان بحاجة إلى ترميم.
وتقع النسبة الأعلى من المباني المهدّدة بالسقوط، في بيروت وطرابلس، وهي مناطق تتّسم بتجمّعات سكنية متلاصقة، أو أنّها مصنَّفة تراثية، أو أنّها تابعة للأوقاف، أو مستأجَرة، إضافة إلى العشوائيات وعدم متابعة البلديات لتتفحّص سلامة المباني، وذلك إمّا بسبب غياب التمويل أو لنقص في عديد المهندسين، أو لفقر بعض الناس الذي يدفعهم إلى رفض إخلاء منازلهم وإن كانت مهدَّدة بالسقوط، وفق الزهيري.
كذلك، يقع لبنان جغرافياً على خطّ زلازل، ومعظم مبانيه قديمة أُنشئت قبل إصدار مراسم السلامة العامة من ناحية الزلازل، وشهدت حروباً وتصدّعات ولم تتمّ صيانة معظمها. وهناك توقّع بارتفاع عدد المنازل المهدّدة بالسقوط نتيجة تفاقم التصدّعات التي تعرّضت لها من جرّاء الهزات الأرضية اليوم، إلى جانب ظروف الطقس الصعبة التي تفاقم من هذه التصدّعات، بحسب الزهيري. وهذه الأبنية غير المدعَّمة، متروكة دون تدعيم ودون تسييج حتى لمنعها من تشكيل أيّ خطر على المارة أيضاً، وهي بنسبة غير قليلة.
والمباني، كالسيارات، بحاجة إلى صيانة واعتناء، وحتى الجديدة منها. فمع مرور الوقت، يفقد الباطون 5 في المئة من جودته، "فكيف الحال بأبنية قديمة تغيب عنها الصيانة ومهدَّدة بالسقوط؟" تسأل الزهيري. كذلك، هناك تصدّعات لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، تكمن في أساسات المبنى، إلّا أنّها عرضة للهبوط عند أيّ هزة بسيطة. ونحو 85 في المئة من العائلات اللبنانية تسكن أبنية شُيّدت في مرحلة ما قبل الثمانينيات، وهي بمعظمها تفتقر إلى الحدّ الأدنى من معايير السلامة العامة ومقاومة الزلازل، كما تتضمّن بيروت وحدها 24 تجمّعاً للأحياء الفقيرة يقطنها 300 ألف نسمة، لا يتمتّع بالحدّ الأدنى من المواصفات والبنى التحتية السليمة.
مسؤولية البلديات
وعن واقع المباني المهدَّدة بالسقوط في لبنان، أعدّت جمعية "شبكة سلامة المباني" دراسات وإحصاءات خلُصت إلى وجود 4 آلاف مبنى منها في طرابلس وزحلة وصيدا، ونحو 11 ألف مبنى في بيروت وضواحيها، وألف مبنى تقريباً في محافظة جبل لبنان. كما أنّ أكثر من 60 في المئة من السكّان يقطنون في مبانٍ قديمة تعود إلى ما قبل عام 1980، وأكثرها في العاصمة. و25 في المئة من مباني بيروت يزيد عمرها على 50 عاماً. وقد أُحصيت هذه الأرقام قبل انفجار المرفأ الذي زاد من أعداد هذه المباني.
في هذا السياق، يلفت الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة، اللواء الركن محمد خير، في حديثه لـ"النهار" إلى أنّ "البلديات لم تبلّغ حتى الآن الهيئة العليا للإغاثة عن انهيار أيّ مبنى تابع لها". وفيما لا يمكن للهيئة العليا للإغاثة مسح كل المباني في لبنان للكشف عن المتصدِّع منها من جراء الهزة الأرضية، "نناشد البلديات القيام بواجباتها عبر تبليغ وزارة الداخلية عن وجود مثل هذه المباني في نطاقها، فلكلّ بلدية مصلحة هندسة تابعة لها". ووزارة الداخلية بدورها تبلّغ رئاسة مجلس الوزراء الذي تنضوي الهيئة العليا للإغاثة تحت لوائه. وعن المناطق التي تتركّز فيها الأبنية القابلة للهبوط والمتصدّعة، يشير الخير إلى أنها "في طرابلس بشكل أساسي وهذا الأمر منذ سنين طويلة والأكيد أنّه بعد الهزة اليوم، ستزداد تصدعات هذه المباني".