أحمد منتش
الحلم الذي تحقق قبل أكثر من عشر سنوات لصيدا وقرى الجوار ببناء معمل لفرز ومعالجة النفايات المنزلية الصلبة، والذي اعتبره الجميع إنجازاً كبيراً للتخلص من جبل النفايات والبدء بمعالجة مشكلة النفايات التي ظلت تتكدّس طوال أربعين عاماً في العراء وبمحاذاة شاطئ البحر، تحوّل هذا الحلم الذي كلّف خزينة الدولة ملايين الدولارات بسبب أعمال الردم الضخمة لمياه البحر، في السنوات الأخيرة، الى مكان لتجميع النفايات وتكديسها من دون معالجة وحوّلها الى سلسلة متراكمة بعضها فوق بعض، فضلاً عن بقاء وتكدّس النفايات على جوانب الطرق والساحات والأحياء السكنية بين فترة وأخرى، كما حوّل الحلم الى كابوس أعاد الى أذهان الجميع الكابوس القديم الذي كان يقضّ مضاجع أبناء وسكّان المدينة والجوار بسبب الروائح الكريهة وتلوّث البيئة ومياه البحر.
ظروف وأسباب متعدّدة ومتشعّبة، كل واحد منها يؤدّي الى وجود المشكلة وتفاقمها وتصدّرها المشهد العام في صيدا وفي قرى القضاء، وأهم هذه الأسباب ذاك المتعلق بإدارة المعمل والمشرفين عليه، حيث يتوقف المعمل عن العمل نهائياً إما لأسباب تقنيّة أو لحاجته الى أعمال صيانة أو تصليحات وأحياناً نتيجة إضراب العاملين المكلفين بأعمال الفرز والمعالجة ومطالبتهم بزيادة رواتبهم، فضلاً عن أسباب تتعلق بأمور مادّية وما شابه، وهذه الأسباب كانت كافية لبقاء النفايات في جوار المعمل ومحيطه وتكدّسها حتى شكلت جبلاً كبيراً تنبعث منه الروائح الكريهة خصوصاً مع بدء فصل الصيف، كما أنها شكلت امتداداً طبيعياً لجبلٍ لما يُعرف بالعوادم التي عجزت إدارة المعمل عن إيجاد مكان لها خارج حرم المعمل.
أما ظاهرة بقاء وانتشار النفايات في الشوارع والساحات العامة وداخل الأحياء السكنية، من حين الى آخر ولأيام عدّة، فتتعلق بالشركة المنوط بها جمع النفايات الموجودة في مستوعبات خاصّة من كافة الشوارع والساحات والأحياء السكنية والمسماة "ن ت س س" وأصحاب هذه الشركة يمتنعون عن القيام بمسؤوليتهم كما حصل في الأشهر الأخيرة إما بسبب عدم دفع الأموال العائدة لهم أو نتيجة فقدان مادة المازوت لآلياتهم وأحياناً ارتفاع أسعارها الذي يكبّدهم بعض الخسائر.
السعودي: جمع النفايات من الشوارع الى المعمل في طريق الحلّ
رئيس بلدية صيدا ورئيس اتحاد بلديات صيدا الزهراني المهندس محمد السعودي قال لـ"النهار" إن الشركة المكلفة جمع النفايات من الشوارع والأحياء السكنية ونقلها الى معمل المعالجة كانت تقوم بعملها منذ نحو 12 عاماً من خلال عقد مصالحة ومن دون وجود دفتر شروط، ومنذ فترة وجيزة فتحنا باب المناقصة ولم يتقدّم سوى صاحب الشركة ولدى مراجعتنا ديوان المحاسبة رُفض التوقيع على العقد المبرم مع الشركة بحجّة عدم وجود ميزانية في الوقت الذي كانت فيه صيدا وقرى الاتحاد تغرق في النفايات، راجعت السيدة بهية الحريري ثم رئيس حكومة الحكومة نجيب ميقاتي قبل أن يصبح رئيس حكومة تصريف أعمال، وهنا لا بدّ من توجيه الشكر لدولته لأنه كان متفهماً جداً لحجم المشكلة وخلال ثلاثة أيام فقط أصدر مرسوماً وزارياً بالموافقة على العقد المبرم مع الشركة، كما اتفقنا مع وزارة الداخلية على مساعدتنا لصاحب الشركة في مادة المازوت لأنه أحياناً يعمل من دون أيّ ربح مادي، علماً بأن صاحب الشركة لديه في وزارة المالية منذ نحو سنتين نحو 16 مليار ليرة لبنانية، قيمتها المادّية تدنّت كثيراً نتيجة ارتفاع سعر الدولار، ومن أجل ذلك كنت أقوم بمساعدته مادياً كدين من مالي الخاصّ.
معمل المعالجة بحاجة الى تصليحات
أما بخصوص معمل المعالجة، فقال السعودي "المعمل في حالته الحاضرة لا يعالج أكثر من 170 طناً من النفايات بعد أن كان يعالج سابقاً من 500 الى 600 طن يومياً، غير أن المعمل يحتاج اليوم قبل أي شيء آخر لإصلاحات ترواح كلفتها من مليونين الى ثلاثة ملايين دولار، كي يعود للعمل الطبيعي، وأصحاب المعمل وهم من غير اللبنانيين وعدوا القيام بالإصلاحات المطلوبة ثم تراجعوا عن وعدهم، لأن المعمل في حال إجراء التصليحات اللازمة سيعمل بخسارة كبيرة في حال عدم معالجته يومياً أكثر من 500 طن إضافة الى ارتفاع أسعار مادة المازوت"، وعن لقائه أخيراً مع وزير البيئة ناصر ياسين قال السعودي إن اللقاء "كان إيجابياً والوزير وعد بالعمل من أجل مساعدة المعمل في تأمين مادة المازوت وفي التخلص من الكمّيات المكدّسة في محيط المعمل".
تجمّع "علِّ صوتك" يضع الإصبع على الجرح
تجمّع "علِّ صوتك" الذي يضمّ مهندسين وناشطين بيئيين في صيدا أصدر بياناً طويلاً عن المشكلة، وقال في بيانه "منذ أشهر نعيش أزمة نفايات حادّة، لم تشهدها المنطقة من قبل. يومياً نتابع أخبار الأزمة، وأخبار الاتصالات والاجتماعات التي تُعقد بين المسؤولين عن الأزمة بحثاً عن حلول بعدما باتت تهدّد كل منزل بأمنه الصحّي والبيئي.
الاجتماعات تتوالى من كل حدب وصوب، بين مسؤولي إدارة معمل معالجة النفايات وبين مسؤولين في بلدية صيدا ونوابها، وبين مراجع وقوى سياسية واجتماعية، وبين تواصل مع وزارات معنيّة لتوفير المال وبالسعر الذي تراه إدارة المعمل مناسباً لها لإعادة تشغيل المعمل المتوقف عن العمل منذ أكثر من خمسة أشهر، لم يعد ينقص كلّ هذه التحرّكات إلا تنظيم حملات تبرّع مالي في شوارع المدينة وقرب مؤسساتها الدينية لمساعدة أصحاب الشركة المشغّلة للمعمل وخصوصاً أن النسبة الأعلى منهم من المستثمرين الأجانب".
وأضاف البيان "نعتقد أنه كفى لهواً وضحكاً على عقول الناس، لذلك علينا أن نضع الأمور في نصابها الصحيح، وما زالت الوثائق والإثباتات موجودة.
أولاً: تم إنشاء معمل معالجة النفايات بعد توقيع اتفاقية بين بلدية صيدا وبين شركة IBC بتاريخ 28 تشرين الثاني 2002. بنود الاتفاقية تنظم آليّة إنشاء المعمل، وتحدّد طبيعة عمله، وحقوق كل فريق وواجباته تجاه الفريق الآخر"، وبعد ان شرح البيان بالتفصيل مجمل المخالفات المتعلقة بالاتفاقية خلص الى الآتي:
"من الواضح أن تخلي المجلس البلدي عن التمسّك ببنود العقد الأساسي وخصوصاً بند مجانية معالجة 200 طن يومياً، والقبول بشروط إدارة المعمل لجهة إلغاء هذا البند واستبداله بالأسعار التي ذُكرت سابقاً، هو هدر فادح للمال العام وللمال البلدي، وخطيئة ارتُكبت بحق المدينة واتحادها وأهلها.
ويمكن احتساب المال المهدور من أموال البلدية والاتحاد خلال العقد الأخير بالشكل الآتي:
- خلال عامي ٢٠١٣- ٢٠١٤:
200×85×313×2=10،642،000$.
-خلال السنوات الثماني الماضية:
200×95×313×8=47،576،000.
المجموع العام:
58،218،000$ .
هذا المبلغ الذي تقاضته إدارة المعمل من الصندوق البلدي المستقل خلال عقد من العمل.
إذا تم احتساب المبالغ التي تقاضتها الإدارة ووفق الحساب المذكور، وإذا سلّمنا جدلاً بأن كمّية النفايات التي كانت تدخل المعمل يومياً 500 طن تبلغ نحو 163،000،000$.
واليوم تحاول إدارة المعمل المطالبة بتعديل بدل المعالجة، والحديث الداخلي بين أطراف الإدارة متباين بين من يقول إن المعمل حقق أرباحاً هائلة خلال الفترة الماضية، وبين من يقول إن المعمل كان يخسر، وإذا صحّ ذلك فإن الخسارة تكون بسبب سوء الإدارة والتشغيل، وهذه مشكلة إدارة المعمل وليست مشكلة الناس.
- أو عبر الخطوات الآتية:
1- إعداد تقرير تفصيلي من قبل وزارة البيئة يحاكي الواقع الفعلي للمعمل وتحديد الأعطال وشروط إعادة تشغيله.
2- توجيه البلدية إنذاراً لإدارة المعمل تطلب فيه تصحيح الأعطال وإعادة تشغيل المعمل وفق بنود الاتفاقية.
٣- أن تبادر البلدية والاتحاد إلى تدريب فريق عمل بديل لإدارة المعمل وتشغيله كمرفق عام في حال عدم استجابة الإدارة لذلك.
4- دعوة إدارة المعمل إلى إيجاد حلول لجبال النفايات المحيطة بالمعمل ورفع الضرر عن المدينة وذلك وفقاً للاتفاقية.
5- مطالبة إدارة المعمل بالعطل والضرر المادي والمعنوي الذي تسببت به نتيجة سوء إدارتها وعدم التقيّد ببنود الاتفاقية.
6- التأكيد على ضرورة وجود المعمل وتشغيله لما فيه مصلحة الناس.
7- في حال تجاهل إدارة المعمل وبلدية صيدا واتحاد البلديات هذه الأمور فإننا سنضطرّ كمواطنين متضرّرين من الوضع الراهن للّجوء الى جميع الطرق القانونية لتصويب الوضع الراهن والتعويض عن العطل والضرر ورفع الظلم عن المنطقة وناسها.