"كان ركوب الدراجة النارية هوايتي وتحوّل ليصبح مصدر رزقي في هذه الأيام الصعبة"، تقول إبنة الـ33 عاماً إيناس فقيه. هي واحدة من اللواتي أُجبرن على ابتكار نمط حياة جديد في وقتٍ تتبدّل فيه كل ظروف العيش بين اليوم والآخر. أرخت الأزمة الاقتصادية بثقلها على اللبنانيّين، أمّا من عاشوا فقراً في أيام "بحبوحة الـ1500" فقد باتوا اليوم فعليًّا في الحضيض.
وجدت إيناس بقيادة الدراجة النارية شغفاً لها منذ العام 2006، لكنّ هذه الهواية لاقت اعتراضاً من المقرّبين منها في حينها، بحكم أنها أقرب الى الذكور. وُلدت إبنة قرية رب الثلاثين الجنوبية في بيروت وهي الآن أصبحت محطّة عملها. تستيقظ يومياً، تركب درّاجتها، وتتوجّه إلى المناطق المحيطة بطريق المطار بحثاً عن راكبات لتأمين قوت يومها.
أما في ما يخص سعر التوصيلة، فيختلف بحسب المسافة على حد قولها، "إذا كان المشوار في الأحياء أتقاضى 25 ألف ليرة فقط، غير ذلك يمكن أن يصل إلى 50 ألف بالحد الأقصى في المسافات البعيدة جداً".
على الرغم من أنّ أزمة المحروقات كان لها تأثير سلبي، إلا أن الجانب الإيجابي منها يكمن في أن سعر توصيلة "التاكسي موتو" أقل من سيارة الأجرة بشكل عام. وهذا ما أثّر على عمل إيناس بشكل إيجابي، حيث ازداد الطلب بشكل ملحوظ.
"قبل الأزمة عملتُ لفترة طويلة في شركة للمواد الغذائية، تخيّل أنني كنت أتقاضى 12 ألف ليرة مقابل 12 ساعة عمل. نعم كان تعبي في الساعة يساوي ألف ليرة فقط". إيناس ظنّت، كغيرها من العمّال، أنّ العمل في بيروت سوف يؤمّن معيشة كريمة. يمكننا مقاربة حالة إيناس بالتعسّف الذي عاشه عمّال لبنان، والنساء خصوصاً، منذ القرن الماضي.
كان للعاملات دور كبير في إطلاق النضال العمّالي بدءاً من وردة ابراهيم التي قُتلت في العام 1946 بعد مشاركتها في تحرك عمّال الريجيه. إيناس استكملت هذه المسيرة التي ترافقت مع بعض المضايقات لكنّ "لم أسمح لأحد أن يتخطّى حدوده معي، بل وشجّعت بعضهن على تعلّم قيادة الدراجة".
بعد أن أصرّت إيناس على المثابرة في عملها الذي تفتخر به، تحوّل الانتقاد إلى جرعة دعم من أهلها وأقاربها، حتّى أنها جمعت أصدقاء. فهناك من ينتظرن إيناس يومياً ليركبن معها دون سواها. في الواقع، تحوّلت الدراجة بالنسبة لإيناس وسيلة لإثبات النفس.
تُعبّر ثروت، قريبة إيناس، عن افتخارها بها وهي تشكّل الداعم الأول لها خصوصاً أنّهما يقضيان معظم الوقت معاً. تستذكر ثروت ما قامت به إيناس خلال أزمة الخبز، حيث تنقّلت من فرن إلى آخر لتؤمن لأقاربها الخبز بالسّعر الرسمي رغم استغلال الكثيرين للأزمة. "هذه الإنسانة تستحقّ أن تعيش أٌفضل الظروف، نادرات هنّ من يشبهن إيناس في يومنا هذا".
كمثيلاتها، تعيش إيناس في زخم ارتفاع أسعار المحروقات الذي لم يرحم سائقي الدراجات أيضاً، "في الماضي، كنت أدفع خمسة آلاف ليرة في الأسبوع، أمّا اليوم، فإنني أحتاج إلى قرابة الـ150 ألف في اليوم الواحد". وللدراجات نصيب من الارتفاع الهائل لأسعار القطع، خصوصاً أنها عرضة للتصليح أكثر من السيارات. هذا ما يدفع بإيناس أن تدفع مدخول ثلاثة أيام عمل مقابل تصليح قطعة واحدة في حال وقوع أي عطل.
تتمنى إيناس إيجاد فرصة عمل جديدة تؤمن لها مدخولاً أفضل يسمح بمساعدة عائلتها. كما أن هذه الوظيفة الجديدة، إن وُجدَت، ستقيها حتماً من عبارات وأسئلة شبيهة بـ"انتِ صبي أو بنت؟".
توجّه إيناس نداءً مستمراً لكافّة العاملات مهما كانت وظائفهن وتشجّعهن على العمل بفخر، فـ"المعيب أن يخجل الإنسان بما يؤمّن له عيشاً كريماً دون الحاجة لمساعدة أحد". فهي تعيش في ظل مجموعة من المحدّدات الاجتماعية التي تغض النظر عن الشقاء الذي تعيشه. وكثيراً ما تبقى الوصمة الاجتماعية خالدة في قلوب البعض الذين لم تعتَد أنظارهم على "سرفيس موتو" تقوده "هي" وليس "هو"، وليت الوصمة تتحوّل تمرداً اجتماعياً على الفقر بدل الغوص في التمييز الجندري.