المصاعب التي تواجه التعليم الرسمي باتت تهدد السنة الدراسية الجديدة بالخطر، مع استمرار الأساتذة بالمقاطعة طلباً لتصحيح الاجور وانتظام المساعدات الاجتماعية من الحكومة. هذا الخطر حذر وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي من انزلاقه إلى كارثة إنسانية نتيجة الانهيارات المعيشية والاجتماعية والمالية، حيث القطاع التربوي ليس بمعزل عنها.
رفع الحلبي الصوت مذكراً أن حل الأزمة لا يقع على عاتق التربية وحدها إنما على الجميع وفي مقدمتهم الجهات المانحة لسد الفجوات الحاصلة. وطرح معادلة جديدة طالما أن لبنان ملزم تدريس كل من يقيم على أرضه، فبينما الدولة التي يفترض أنها المسؤولة عن تأمين المساعدات للاساتذة وحل مشكلة الاجور، إلا أنها في حالة انهيار وهي بحاجة ملحة للدعم من اجل إنقاذ العام الدراسي، فشدد على أنه في غياب الحوافز من الجهات المانحة لن يحضر الأساتذة إلى المدارس وبالتالي لا لزوم لكل البرامج الدولية، وإذا لم يتعلم التلامذة اللبنانيون في دوام قبل الظهر بسبب غياب الحوافز فلن يتعلم غير اللبنانيين في دوام بعد الظهر، لافتاً إلى أننا لن نقترض لكي نعلم غير اللبنانيين.
قدم الحلبي هذه المعادلة أمام ممثلي الدول المانحة والمنظمات الأهلية خلال اجتماع عُقد في التربية، وكان لافتاً حضور رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي إلى وزارة التربية للمرة الأولى ما يشكل تغطية لموقف الوزير ودعماً لتوجهاته في اطلاق السنة الدراسية الجديدة، حيث شدد في كلمة على أن "أولويتنا هي فتح المدارس في المواعيد المقررة وان يعود التلامذة الى مدارسهم لتلقي التعليم"، مذكرا أننا "نمر حاليا بصعوبات اقتصادية واجتماعية وتربوية، والتحدي الكبير امامنا هو أن نبدأ عاما دراسيا طبيعيا".
ويبدو أن الرهان الفعلي من وزير التربية هو على تجديد دعم الجهات المانحة، خصوصاً وأن هناك متأخرات لم تسدد عن العام الماضي. وأوضح مصدر في التربية أن وجهة نظر الوزير الحلبي تنطلق من أن تعليم اللاجئين يرتب أعباءً كبيرة على المدرسة الرسمية ومبانيها لا سيما وأن عدداً كبيراً من المستعان بهم يدرّسون التلامذة السوريين، من دون أن يعني ذلك دمج المتعلمين، والدعم يجب أن يطال الجميع، اللبنانيين وغير اللبنانيين لتكتمل عملية التعليم.
في العام الماضي ساهمت المنح والهبات والمبالغ المالية من الجهات المانحة في انهاء العام الدراسي وإنجاز الامتحانات. وقال الحلبي أنه لم تتوافر لدينا هذه السنة، سلة عطاءات تأخذ في الاعتبار الفروقات الهائلة التي حصلت في الوضع المعيشي، وتدني قيمة الرواتب والأجور وبدلات النقل وكلفة التشغيل، ما يعني استحالة انتقال الأساتذة والمعلمين والعاملين والطلاب والتلامذة إلى الجامعات والمعاهد والمدارس. "وفي حال لم تتوافر العطاءات، نعتقد أن الأساتذة والمعلمين لن يلتحقوا بصفوفهم، كما نعتقد أن التلامذة في التعليم ما قبل الجامعي لن يستطيعوا الالتحاق بمدارسهم، ولا قدرة لأهاليهم على تغطية كلفة النقل والمستلزمات، الأمر الذي يشكل تهديدا حقيقيا لاستمرارية المدرسة الرسمية التي تؤمّن التعليم الأساسي خصوصا للفئات المهمشة والفقيرة، بحيث تصيب هذه المشكلة ما يزيد عن 300 ألف تلميذ وتلميذة. وإذا ما استمرت دولرة الأقساط في المدارس الخاصة على النمط الذي أصبح معروفا، وتسرّب التلامذة من الخاص إلى الرسمي سنكون أمام عقبة عدم القدرة على افتتاح العام الدراسي، وهنا تكمن المشكلة الإنسانية التي نتحدّث عنها". وينسحب هذا الخطر أيضا على الجامعة اللبنانية، التي تفتقر إلى مقومات الصمود.
وخلص وزير التربية للقول، إنه "إذا لم يتوافر التعليم للبنانيين، فإننا نعلن أنه لن يكون بوسعنا تعليم غير اللبنانيين. ليس لأننا ضد تعليم غير اللبنانيين، فنحن نعلن كل يوم التزامنا تقديم التعليم الجيد إلى جميع التلامذة الموجودين على الأراضي اللبنانية، بل لأن اللبنانيين عبر التاريخ باعوا الأرض التي يعيشون من غلالها ليعلّموا أبناءهم، ولن نسمح بأن لا يتعلموا في القرن الحادي والعشرين، ما قد يتسبب بطبقية في التعليم تؤدي إلى ثورة لا تحمد عقباها .