لم يكن فجر الاثنين هادئاً كعادته، كان وقع الزلزال في تركيا وسوريا قاسياً وخانقاً، كانت نتائجه كارثية والأضرار تفوق قدرة العين والقلب على التحمل. مبانٍ سقطت بكاملها، لم يبقَ منها شيء، مئات الأجساد تحت الأنقاض تنتظر من ينتشلها من الموت، تنتظر فرصتها في النجاة بعد أن غدر الموت آلافاً منهم، كالسارق على عجلة، مخلّفاً وجعاً لا يُقاس.
أكثر من 5 آلاف ضحية حتى الساعة، فيما تخطّى عدد المصابين الـ 20 ألف جريح، وبين الركام ورائحة الموت تواصل فرق الإنقاذ عمليات البحث عن ناجين عالقين تحت الأنقاض في ظلّ استمرار الهزات الارتدادية وسوء الأحوال الجوية وضعف الإمكانات.
في إنطاكيا، دخل الموت خلسة إلى بيوت كثيرة حيث كان ينام الناس بأمان، ثوانٍ كانت كفيلة في قلب الصورة رأساً على عقب، ثوانٍ وكان كل شيء مجرد حطام.
الضحايا إلى ازدياد مستمر، كيف يمكن وقف العداد؟ لم نعد نريد احصاء المزيد، لا نريد للموت أن يخطف المزيد من الضحايا. مرعبة هي الأرقام، والخشية الأكبر كما أعربت منظمة الصحة العالمية أن تكون "الحصائل أعلى بثماني مرات من الأرقام الأولى" المنشورة.
كل ساعة، ينضم اسم جديد إلى لائحة الضحايا والمفقودين، ومن بينهم لبنانيون، هذه اللائحة التي نرجو ألّا تطول وتُفجع قلوب أحبائهم وعائلاتهم.
سوسن الناصري وابنتها سيلينا محمود الهضام، رنا الترسيسي ابراهيم وابنتاها، وسام محمد خير الأسعد وابنته ندوة، دلال زين الدين، سوزان سهيل الأحمد، الأب عماد ضاهر كاهن للروم الكاثوليك في حلب... هم ضحايا لبنانيون قضوا في سوريا وتركيا نتيجة الزلزال.
مع الملاحظة أنّ أصدقاء لدلال تناقلوا أن لها ثلاثة أولاد من زوج سوري، قضوا معها، من دون إمكان تأكيد هذه المعلومة.
يتحدث ابن عم الضحية وسام محمد خير الدين الأسعد الدكتور فادي الأسعد لـ"النهار" عن تلك الفاجعة التي ألمّت بعائلات كثيرة ومن بينها عائلة الأسعد التي خسرت الدكتور وسام وابنته جراء الزلزال. كان وسام يقيم في انطاكيا منذ سنين مع زوجته التركية وولديه، ويعمل كطبيب عظام. كان دائماً يتواصل معنا صباحاً كعادته بسلام يبدأ نهاره ككلّ الناس، "يصبّح علينا".
لكن وقوع الزلزال والمشاهد المدمرة قلبت حياة كثيرين وكتبت نهاية مأساوية لآلاف الأشخاص ومنهم وسام وابنته. فبعد هذه الكارثة، انقطعت الاتصالات في المنطقة ولم تصلنا أخبار عنه. ويشير ابن عمه إلى "تعذر الاتصالات في المنطقة، حاولنا الاتصال ببعض الأصدقاء الذين يسكنون في أضنا حتى نعرف أيّ شيء عنه. كانت البناية التي يسكن فيها مدمرة، وأكد لنا والد زوجته أن "وسام وابنته توفيا فيما زوجته وابنه نجيا وهما في المستشفى يتلقيان المعالجة نتيجة الكسور التي تعرضا لها."
يسكن وسام في بناية مؤلفة من 7 طوابق، وكان يقيم في الطابقين الثاني والثالث، وعلى ما يبدو أن السطح وقع عليه مع ابنته ما أدى إلى وفاتهما.
تخونه الدموع عندما يتحدث، ليس سهلاً أن تفقد عزيزاً بهذه الطريقة، ليسترجع حديثه قائلاً: "لقد زارته شقيقته وهي طبيبة نسائية وغادرت قبل 3 أيام من وقوع الزلزال إلى فرنسا. الأمر مفجع وقاسٍ ويصعب استيعابه".
وانضم إلى وسام وابنته، الروائية والناشطة دلال زين الدين وأولادها الثلاثة وحفيدها في زلزال تركيا. صاحبة رواية "عمامة وجسد" تغادرنا هي وأولادها الثلاثة، هي التي كتبت على صفحتها "كل شيء ينال منا، لم ننل شيئاً". لقد نال منا الزلزال كما نال من كثيرين، حيث دفعت حياتها ثمناً مع أولادها.
من انطاكيا التركية إلى سوريا، حيث ودعت "بطريركية" الروم الكاثوليك في حلب بسوريا الأب عماد ضاهر من بلدة البرامية - صيدا اللبنانية كاهن للروم الكاثوليك في حلب، بعد العثور على جثمانه تحت أنقاض المبنى الذي كان يقطنه بمنطقة العزيزية -حماة.
الأب عماد ضاهر
أمّا سيلينا الهضام ووالدتها فكانا في زيارة إلى سوريا كما أكد لنا ابن عمها المحامي يوسف الهضام "كانت تقصد سوريا بهدف استكمال تعليمها الجامعي ولقد تسجّلت في الجامعة وذهبت إلى سوريا منذ أسبوع، إلّا أن القدر شاء أن يخطفها هي ووالدتها نتيجة الزلزال الذي ضرب منقطة تركيا وسوريا. ولقد حاول أقاربها الاتصال بها ولكن من دون جدوى، لنعلم أنهما توفيا بعد سقوط البناية التي كانا يسكنان فيها والمؤلفة من 4 طوابق".
الشابة الراحلة سيلينا الهضام
في حين أن والدها وأشقاءها في لبنان، هذه الشابة صاحبة الـ 20 عاماً رحلت مع والدتها بطريقة مأسوية، كما آلاف الضحايا مخلفة وراءها أحلاماً لم تزهر.
من الضحايا أيضاً، سوزان سهيل الأحمد، وقد عملت فرق البحث والانقاذ عملت على سحب جثتها من تحت أنقاض المبنى الذي تقطنه وعائلتها في تركيا، وقد تدمّر جراء الزلزال، في حين أنّ زوجها وطفلها قد نجيا وتم إنقاذهما قبل ساعات، وهما بصحة جيدة.
الضحية سوزان سهيل الأحمد وعائلتها.