النهار

ظاهرة التسوّل "تُؤرق" بيروت... مجموعات تُشغّل الأطفال وخطة أمنية رهن التنفيذ (صور)
بتول بزي
المصدر: "النهار"
ظاهرة التسوّل "تُؤرق" بيروت... مجموعات تُشغّل الأطفال وخطة أمنية رهن التنفيذ (صور)
سيّدة متسوّلة في بيروت (حسام شبارو).
A+   A-
على طول الكورنيش البحريّ في بيروت، أطفال يبيعون الزهور باختلاف ألوانها ومواسمها. وعند إشارات المرور، سيّدات يحملنَ أطفالهنَّ كـ"أداة" لاستقطاب "الزبائن" والتأثير على عواطفهم. تحت أشعّة الشمس الحارقة في الصيف، ووسط صقيع يُكوّر الأجساد في الشتاء، "يجتاح" المتسوّلون الطرق في العاصمة بيروت وضواحيها، ومناطق أخرى من لبنان.

ظاهرة التسوّل في العاصمة ليست وليدة اللحظة، لكنّها باتت في تفاقم يوميّ بفعل الانهيار والفلتان، وأضحت مصلحة يوميّة لكثيرين، مثل بيع الورود، كأسلوب للتغطية عليها والتذرّع بالعمل. ولعلّنا في هذا التقرير، نركّز على ظاهرة من امتهنوا التسوّل "مصلحة"، وليس على أشخاص مقهورين ضاقت بهم السبل حدّ الذل ومدّ اليد طلباً للعون.
 
حسام شبارو.
 
تتنقّل الطفلة السورية حلا، المولودة في لبنان منذ 7 سنوات، بعدما نزحت عائلتها من حلب إلى لبنان بفعل الحرب، بين المارّة على كورنيش عين المريسة، وفي جيبها باقة من الورود الحمراء. تتودّد إلى الزبائن بلهجة بسيطة، ومفردات عمل حفظتها عن ظهر قلب، خاصّة للشبّان والشابات، وللعشّاق عند الصباح وقبيل المغيب. تمتهن حلا، ومعها مجموعة من الأطفال دون العاشرة من أعمارهم، بَيع الورود، وآخرون مسح السيارات، وهم الذين لم يفقهوا من الحياة شيئاً بعد. نسألها عن المدرسة: "هذا حلمي، لكنّ أهلي عاجزون عن تسجيلي في المدرسة، وعليَّ العمل لمساعدتهم في المصروف". ظاهرة التسوّل ترافقها مأساة اجتماعيّة وتعليميّة وديموغرافيّة لا تُحمد عقباها.
 
حسن عسل.
 
تُدرك بلدية بيروت حجم الخطر الذي يتهدّد المدينة بفعل انتشار الظاهرة وتمدّدها، ما حضّها للتنسيق أمنيّاً مع وزارة الداخلية والبلديات والمحافظة لوضع خطوات رادعة مع بدء موسم الصيف.

في حديث لـ"النهار"، يؤكّد رئيس البلدية جمال عيتاني أنّ "ثمّة جهات ومجموعات وراء هؤلاء المتسوّلين، يتمّ تشغيلهم وتوزيعهم على المناطق"، واصفاً الأمر بـ"البيزنس"، و"هم ليسوا متسوّلين فقراء بحاجة إلى المساعدة".

ويضيف: "عقدنا اجتماعاً مع وزير الداخليّة بسّام مولوي، منذ يومين، واتّفقنا على تكثيف الدوريّات الأمنية بالتعاون مع شرطة بيروت، للعمل على إزالة ظاهرة التسوّل من وسط بيروت أوّلاً، وثمّ من مناطق تجاريّة مثل الحمراء، الأشرفية، مار مخايل، الجمّيزة وشارع مونو، خاصّة مع بداية الموسم السياحيّ".
 
حسام شبارو.
 
من الإجراءات المرتقبة، ستُطلق الجهات المعنيّة حملة أمنية مكثّفة، في الأيام المقبلة، للحدّ من هذه الظاهرة، ما استدعى تنسيقاً بين عيتاني والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري لطلب المساعدة. كما ستُفعّل البلدية دوريات للحرس البلديّ، خاصّة على الكورنيش لإزالة التعدّيات.

يلفت عيتاني إلى أنّه "نحن أمام خطّة أمنيّة لردع الظاهرة بالتعاون مع حرس بيروت، وكُنّا قد اتّخذنا قرارات عديدة في المجلس البلديّ بالتنسيق مع محافظ بيروت".
 

وأمام هذه الظاهرة، ثمّة مشكلة تكمن في افتقار المجلس البلديّ لمسح محدّد لأعداد المتسوّلين في بيروت، وهي مهمّة ترتبط بوزارة الشؤون الاجتماعيّة والجمعيّات الأهليّة، بالرغم من تقديرات بأنّ "غالبية هذه الفئة من الجنسية السورية"، وفق عيتاني، مؤكّداً أنّه "تواصلنا مع "اليونيسيف" لتخصيص برنامج قد يُخفّف من هذه الأزمة، واتفقنا على الخيارات التي يمكن أن تكون بديلاً، إلّا أنّها لم تزوّدنا بتعداد لهم بعد".

كلام عيتاني عن جنسيّة المتسوّلين، قابله رأي آخر رافض لاختزالهم فقط بـ"أزمة النزوح السوريّ"، إذ يرى مصدر أمنيّ تَعدُّداً في جنسياتهم، بينهم لبنانيّون، وآخرون من البدو والغجر ولاجئون فلسطينيّون".
 
حسام شبارو.

المشكلة الأخرى أيضاً تكمن في عدم إمكانيّة حجز المتسوّلين في حال إخلائهم من الشوارع، فلا مراكز مجهّزة لإيوائهم، وثمّة أطفال بينهم في حاجة إلى رعاية خاصّة. إذ يؤكّد المصدر الأمني، لـ"النهار"، أنّ "هناك خطّة لملاحقة المسؤولين عنهم للحدّ من الظاهرة، والتشدّد مع مشغّليهم وضبط مخالفاتهم، إلّا أنّ التسوّل حالة خاصّة بحاجة للمتابعة، وهذا الموضوع ليس أمنياً، بل يحتاج إلى علاج اجتماعيّ اقتصاديّ شامل".

كما يُشدّد المصدر على أنّه "يجب وضع خطّة اجتماعيّة وتقديم الدعم والمساعدة وفرص العمل لهم، وحتى للمتسوّلين الأجانب، وذلك بالتعاون مع المنظمات الدولية"، متسائلاً عن "دور الجمعيات، والنقص في الدعم الذي تقدّمه في حال توقيف أطفال، وعن دورها المنوط في تأهيلهم وتعليمهم، فلا ينبغي لهم أن يكونوا في الشارع وخاصّة الأطفال المتسرّبين من المدارس، بل يجب التواجد في أماكن خاصّة لحمايتهم".
 

إذن، تنصبّ الجهود الأمنية على الوصول إلى المصدر المشغّل لهذه المجموعات، وخاصّة مِمّن يستغلّ عمالة الأطفال لقبض ما يجنوه طوال اليوم، وصولاً إلى توقيفه وضبط انتشاره في العاصمة وضواحيها.

إلى ذلك، لم تتلقَّ الجهات الأمنية والبلدية شكاوى مباشرة بتسبُّب المتسوّلين بإشكالات مع المارّة، ما خلا "الإزعاج الكبير" الذي يُخلّفه وجودهم في الأماكن العامّة، ويرى عيتاني في ذلك "تعدّياً على حريّة الناس وتجاوزاً للحدود، مع إلحاح متعمّد على بيع السلعة".
 
حسام شبارو.
 
أسلوب آخر بات معتمداً اليوم لدى المتسوّلين، ويُثير موجة غضب لدى روّاد الوسط التجاريّ، بتعمّد دخول المتسوّلين إلى المطاعم والإلحاح على الزبائن، ما دفع أصحاب المحال إلى وضع عازل زجاجيّ أمام المدخل، وهذا ما أدّى إلى تشويه المكان و"الترّاس".  يعتبر عيتاني أنّ هذه الإجراءات "تؤثّر على الاقتصاد اللبنانيّ، خاصّة مع انطلاق الموسم السياحيّ"، مطالباً المحافظ بـ"تفعيل دور الحرس البلديّ لقمع هؤلاء المتسوّلين الذين يشوّهون صورة المنطقة".
 
 
حسن عسل.
 

اقرأ في النهار Premium