أحمد منتش
تتربّع بلدة مغدوشة المطلة على مدينة صيدا وساحل الزهراني على عرش السياحة الدينية في منطقة صيدا والجنوب من دون أيّ منازع أو مبالغة، بحكم موقعها الديني المتجسّد بمزار سيدة المنطرة العجائبي، وهو مزار مريمي بامتياز الذي يذكر أنّ العذراء مريم كانت ترافق يسوع ورسله في الجولات التبشيرية في تخوم صور وصيدا (متى 21،15) وبسبب استحالة دخولها الى المدن الوثنية كانت تنتظر على رابية مطلة على صيدا وجوارها في مغارة عرفت بـ"مغارة سيدة المنطرة" أي "الانتظار"، الكائنة والموجودة عند المدخل الغربي لبلدة مغدوشة. وهذا الأمر جعل منها محجّة للمؤمنين، كما ساهم بشكل كبير وضع المزار على خارطة السياحة الدينية العالمية بتاريخ 26 أيار العام 2016، في تزايد أعداد الزوار والسائحين من داخل لبنان ومختلف دول العالم، ومن كلّ الأديان والطوائف والمذاهب.
وتبقى مداخل وابواب المزار والتمثال الذي نصب على برج عال والبازيليك مفتوحة امام جميع الناس والوفود الزائرة من لبنان والخارج، وتحرص مسؤولة العلاقات العامة المحامية أمل حليس على مرافقة الزائرين، كما فعلت مع "النهار" وتقديم كلّ المعلومات المتعلقة بالمكان المقدس بدءًا من المزار أو المقام وانتهاء بدرب المزار ومرورًا بالتمثال والبازيليك.
مغارة محفورة بالصخر
المزار هو عبارة عن مغارة صغيرة محفورة بالصخر الكلسي، يبلغ طولها نحو 15 مترًا، كانت لها فتحة علوية اكتشفها في العام 1921 أحد الرعاة الذي فقد إحدى نعاجه. ومن خلال الفتحة ظنّ الراعي بداية أنّ نعجته سقطت في بئر وبعد جهد بذله حول المكان اكتشف باب المغارة، وفيما بعد تبين وجود مذبح وأيقونة. والمذبح مردّه الى أنّ المسيحيين الأوائل قاموا بتحويل المغارة الى معبد بعد علمهم بمكوث السيدة العذراء داخل المغارة، والأيقونة كانت هدية من الملكة هيلانة والدة الأمبراطور الروماني قسطنطين للسيدة العذراء.
ومنذ ذلك الوقت أصبحت المغارة مزارًا ومكانًا للصلاة والتأمل وإضاءة الشموع والقداديس في المناسبات الدينية، وخاصّة في عيد ميلاد العذراء مريم الذي تحتفل فيه مغدوشة وقرى الجنوب في 7 و8 أيلول من كلّ عام.
أمّا مدخل المغارة أعِدَّ لاستقبال الزائرين ببناءِ رواق بقناطرَ ثلاث، تبرّعَ بها قنصل بريطانيا في صيدا جــاك أبيلا العام 1868 وفاءً لنذر قطعه للعذراء على شفائه من مرض عضال.
وعلى يمين مدخل المغارة الجنوبي أقيم تمثال صخري للعذراء وهي جالسة تنتظر ابنها يسوع وكتبت خلف التمثال عبارة "أنتظر أولادي" باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية.
البرج الذي يحمل تمثال العذراء مريم
وعلى مسافة قريبة من المغارة، على تلة مطلة على ساحل صيدا والجنوب والشوف في العام 1963 شُيّد برج عال يبلغ ارتفاعه نحو 37 مترًا، وضع عليه تمثال من البرونز الكامل للعذراء مريم وهي تحمل طفلها يسوع على ذراعيها، أُحضر من إيطاليا، ارتفاعه 8 أمتار ويبلغ وزنه 6 أطنان ونصف. ويتذكر أبناء البلدة أنّ التحضيرات لرفعه وتثبيته على قمة البرج استغرقت عدة أيام، والرافعة الكبيرة والضخمة التي أحضرت من بيروت واجهت بعض المشاكل خلال عملية رفعه وتثبيته، ممّا حدا بالمثلث الرحمة المطران باسيليوس الطلب من الحضور الصلاة، ومن ثمّ نجحت العملية وسط الترانيم والزغاريد والهتافات.
وفي أسفل البرج شُيّدت كابيلا جميلة زُيّنت بلوحة زيتية تمثل العذراء مريم وهي جالسة عند مدخل المغارة والسيد المسيح في وسط الغمامة يضع يده على رأس ابنة الكنعانية حيث شُفيت، ومشهد راعي القطيع يحمل على كتفيه النعجة التي سقطت في ثقب المغارة وكانت سبب إعادة اكتشافها العام 1726. ويؤكد البعض أنّ البرج أقيم في مكان البرج الصليبيّ نفسه الذي بناه لويس التاسع والذي اندثر لاحقًا.
بازيليك سيدة المنطرة
بدأ العمل في بناء البازيليك في العام 2000 بمسعى وجهد من مثلث الرحمة المطران جورج كويتر، قبالة مغارة السيدة العذراء وتمثالها على البرج على مساحة تبلغ 1500 متر مربع. يمثل تحفة فنية رائعة، قاعته الكبيرة تتّسع لنحو ألف شخص علقت على جدرانها أيقونات بيزنطية من الموزاييك الإيطالي غالبيتها تمثل حياة العذراء، والقاعة مخصّصة للاحتفالات الدينية الكبيرة لأبرشية صيدا والمنطقة.
يتألف البازيليك من ثلاث طبقات تضمّ قاعة كبيرة تحمل اسم جورج وجانيت يونان رئيس بلدية مغدوشة سابقا قام بتجهيزها نجلاه رئيس البلدية الحالي المهندس رئيف يونان ورجل الأعمال وسيم يونان، وهي مخصصة للنشاطات واللقاءات الدينية والثقافية، فضلًا عن بيت الكاهن ومركز إصغاء ورياضات روحية في الطوابق الأخرى.
درب المزار
درب المزار، أقيم داخل حديقة مكسوّة بالأشجار والورود، طوله 300 متر وضعت على طرفيه 12 لوحة حجرية كتب عليها عبارات عن أحداث حصلت في لبنان، وتمّ ذكرها في العهد القديم والعهد الجديد، وهو بمثابة مسيرة حجّ، يسلكها المؤمنون وسط رفع الصلوات والتراتيل. وفي باحة المزار أقيمت كافيتريا للاستراحة وتناول المرطبات والقهوة والشاي وقاعة أخرى لبيع الهدايا والمنتوجات المحلية.
كروم الشمس
تبعد مغدوشة التي تعدّ عاصمة القرى والبلدات الكاثوليكية في المنطقة عن صيدا 8 كيلومترات وعن العاصمة بيروت 50 كيلومترًا. تشتهر بإنتاج العنب وصناعة ماء زهر الليمون وماء الورد وزيت الزيتون، وتتميز أيضًا بمهرجاناتها السياحية السنوية المعروفة بمهرجانات كروم الشمس، التي ترعاها وتنظمها البلدية بالتعاون مع الأندية والهيئات والجمعيات المحلية في البلدة كما قال رئيس البلدية رئيف يونان والذي أكّد أنّ المجالس البلدية المتعاقبة في مغدوشة أولت المواقع الدينية وتنظيم وإقامة مختلف النشاطات الثقافية والرياضية والسياحية كلّ رعاية واهتمام.
صراعات الآخرين على أرضها
دفعت مغدوشة أثمانًا باهظة في الأرواح والممتلكات والأرزاق نتيجة صراعات الاخرين على أرضها، حيث دارت داخل أحيائها السكنية وفي ساحاتها وشوارعها معارك طاحنة أواخر العام 1087 بين المقاتلين الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة وعناصر حركة أمل في الجنوب، تخللها عمليات اقتحام متبادلة بين مسلحي الطرفين كانت تستخدم فيها كلّ أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، ما أسفر عن تهجير أبناء وسكان البلدة ووقوع خسائر كبيرة جدًّا في بيوت وممتلكات الأهالي. وبعد اتفاق المتخاصمين برعاية سورية وإيرانية انسحب المقاتلون الفلسطينيون من الأماكن التي كانوا يسيطرون عليها، وبعد ذلك عادت الحياة لتنبض من جديد في البلدة بعد عودة الأهالي اليها وقيامهم بإعادة بناء وإصلاح كلّ ما أحرقته أو دمرته اشتباكات الآخرين على أرضها.
وزير السياحة وليد نصارخلال تفقده المزار مؤخرا
وزير السياحة السابق ميشال فرعون خلال الاحتفال بوضع المزار على لائحة السياحة الدينية العالمية