ميشال حلاق
تعتبر غابة العزر التي تقع في أعالي بلدة فنيدق بمثابة الجوهرة على تاج غابات عكار، ليس لجمال أشجارها فحسب، بل لندرتها، في منطقة الشرق الأوسط، ما أكسبها، ميزة أن تكون وجهة أساسية لهواة التخييم والمشي في الغابات على الدروب القديمة، والتنعّم بخصوصية هذا الموقع الفريد الغني بمشهدية ومهابة استثنائيّتَين، في الشتاء كما في الربيع وفي الصيف. أمّا في الخريف ففي الغابة روعة وخصوصية، إذ تتحوّل أوراق أشجارها الى الأصفر الذهبيّ، وهذا ما أطلق عليها اسم "الغابة الذهبية".
إلّا أنّ أشجارها الباسقة التي يبلغ طولها نحو 30 متراً، تتعرض منذ فترة لسلسلة تعديات وعمليات قطع جائر، على يد عدد من الحطابين الذين يبيعون حطب الغابة بأسعار خيالية، محقّقين أرباحاً طائلة، على حساب ديمومة هذه الغابة التي يبلغ عمر بعض أشجارها (في النبي خالد) أكثر من 1500 عام .
عبدالحي
ويشير رئيس بلدية فنيدق سميح عبد الحي الى أنّ البلدية تابعت ولا تزال بالتعاون مع فعاليات البلدة ومع المراجع المعنية والجمعيات البيئية، أهمية المحافظة على هذه الغابة التي لها مكانة خاصة عند كلّ أبناء البلدة والجوار، ولدى آلاف الزوار الذين يقصدونها سنوياً من لبنان ومن خارج لبنان على مدار السنة، وثمّة جهود حثيثة تبذل لوقف حالات التعدّي المرفوضة من قبلنا ومن قبل فعاليات البلدة.
ويشرح عبدالحي عن جمالات غابة العذر وفرادتها بالقول: "غابة العزر في بلدة فنيدق عكار، هي أكبر تجمّع لشجر العزر النادر في الشرق الأوسط، ترتفع الغابة عن سطح البحر 1400 متر، يصل معدّل طول الأشجار فيها إلى نحو 30 متراً، فيما تعدّ واحدة من موائل العصافير البرية من فصيلة الشرشوريات وخصوصاً "الحسون" وكذلك هي موئل للسناجب وأعداد كبيرة من الأعشاب البرية.
وتتميز الغابة ببصمة جمالية مختلفة على مدار أشهر السنة. وتمتدّ الحدود الحالية للغابة على نحو مليون متر مربع (100 هكتار) وتضمّ نحو 50 ألف شجرة، بينما كانت قبل ذلك أوسع بكثير، وتُعدّ الآن من عوامل الجذب السياحيّ البيئيّ في المنطقة".
ولفت عبدالحي الى أن البلدية قامت منذ عامين وبالتعاون مع جمعية التحريج في لبنان بخدمات ضرورية وملحة عدّة، حيث تمّ فتح ممرّ للمشاة والهواة داخل الغابة طوله 3500 متر. كما جهّزت الغابة بدورات مياه، ومقاعد خشبية وكيوسك عدد 4 وموائد خاصّة للشوي ومشتل زراعي لإنتاج فصائل شجر العزر والأرز. كذلك تمّ تجهيز الغابة بدرّاجات هوائية عدد 10 للرياضيين وأصحاب الهوايات، وتمّ ضبط عمليات الدخول والخروج إليها، وتأمين أماكن للمنامة فيها تشجيعاً للسياحة البيئية".
أمّا الصعوبات التي تواجهها البلدية فتتمثل بشكل خاص بمواجهة القطع الجائر من بعض أعداء البيئة والطبيعة بحجة التدفئة وعدم القدرة على شراء مادّة المازوت، فيما يزيد إهمال الجهات المعنية تطبيق القانون على من يرتكب هذه الجريمة في حقّ واحدة من أجمل غابات لبنان والشرق الأوسط. وما زالت البلدية والمجتمع المحليّ والهيئات النشطة بيئياً تطالب بإنزال العقوبة في حقّ كلّ مرتكب لتشويه هذه الغابة وغيرها من غابات بلدة فنيدق.
وختم: "مهما شرحنا عن غابة العزر لن نفيها حقّها، وكما قيل ليس من رأى كمن سمع، وأدعو الجميع إلى زيارة عكار وغابة العزر، والاستمتاع بمميّزاتها الطبيعية والتراثيّة.
خالد طالب
مؤسس جمعية درب عكار البيئية خالد طالب، أشار الى أنّ الجمعية أصدرت كتيّباً خاصّاً عن الغابة مزوّداً بعدد من الصور يبرز أهميتها والعناصر المتواجدة فيها، وجرى طبعه ونشره وتعميمه، وهو متاح لكلّ الباحثين أو الراغبين بزيارة هذا الموقع الفريد.
مما جاء في كتيّب درب عكار أنّ غابة العزر تقع الى الشرق من بلدة فنيدق في منطقة جرد القيطع – أعالي محافظة عكار، على ارتفاع بين 1300 و 1500 متر عن سطح البحر، وتبلغ مساحتها حوالي مليون ومئة ألف متر مربع تقريباً، وللغابة ثلاثة مداخل معروفة، اثنان لجهة البلدة، وواحد لجهة منطقة النبي خالد.
والمدخل الأساسي هو المدخل الذي يأتي بعد نبع فنيدق لجهة اليمين، قبل حاجز الجيش اللبنانيّ في منطقة الصنوبر.
وتعود تسمية الغابة لكون الغالبية الساحقة من أشجارها هي لأحد أضخم أنواع السنديان المحليّ المسمّى بـ"العزر" (وليس العذر، بمعنى عذراء)، واسمه اللاتينيّ Quercus cerris، قد يصل طول أشجارها لأكثر من 25 متراً. والعزر باللغة الآرامية يعني "العامود الرئيسيّ" كما ورد في كتاب أشجار لبنان للمهندس خالد سليم، وذلك لضخامة جذعها وطوله.
ويبلغ متوسّط عمر الأشجار الموجودة في غابة العزر بين الـ90 والـ 200 عام، وبعض الأشجار تجاوز هذا العمر، وأضخم شجرتي عزر هما الشجرتان الموجودتان في منطقة النبي خالد آخر حدود الغابة لجهة القمّوعة، ويقدّر عمر كلّ منهما بـ 1500 و2000 عام.
وقد ذهبت بعض الفرضيات إلى كون هذه الغابة قد زرعت في فترات سابقة من التاريخ للاستفادة من خشب العزر، إلاّ أنّ باحثين يقولون عكس ذلك.
ويشير خالد طالب الى أنّ في الغابة ثروة نباتية لا يستهان بها تضمّ أكثر من 30 نوعاً، فبالرغم من أنّ ظلال العزر تمنع الكثير من النباتات من النمو، إلّا أنّ أزهار الباونيا وأنواع من السحلبيات والفطريات تجد في هذه الظلال مكاناً مناسباً لنموّها.
زهرة الباونيا
Paeonia mascula
ويعيش في الغابة حيوانات عدّة وخاصة السناجب التي في الإمكان مشاهدتها تقفز فوق الأشجار.
السياحة البيئيّة:
تلعب الغابة دوراً أساسيّاً في جذب روّاد المشي في الطبيعة نحو منطقة عكار، فألوانها التي تتبدّل مع الفصول من الأخضر الى الأصفر الذهبيّ تشكّل لوحات مُذهلة لا يمكن مشاهدتها إلّا في البلدان الأوروبية، لذلك تعتبر ركيزة للسياحة البيئية وما تتضمّنها من نشاطات في الهواء الطلق، من مشي في الطبيعة وتخييم وغيرها من الرياضات.
وأكّد طالب أنّ لغابة العزر مكانة هامّة في (درب عكار)، فهي تعتبر ممراً أساسيّاً للدرب وأحد أركانه ومعالمه الهامّة، وفي الغابة دروب عدّة للمشي تصل لغاية 3 كيلومترات، وفي الإمكان تمديدها أكثر لمن أراد التجوّل في الغابة خارج هذه المسالك.
عن الغابة وواقع الحماية:
لم تعلن العزر كمحميّة بعد، رغم وجود النوايا الحسنة تجاه هذه الخطوة من بلدية فنيدق وفعاليات المنطقة، ولكنّها تخضع تلقائيّاً لقانون حماية الغابات في لبنان، على أمل إعلانها محميّة في القريب العاجل.
أمّا عن شجر العزر في عكار فيقول طالب وفق كتيّب درب عكار: "ينمو العزر في معظم جبال عكار إلى جانب أنواع أخرى من السنديان والعفص والملّول وغيرها، ويتركز ثقله في بلدة تاشع حيث ثاني أكبر تجمّع بعد غابة العزر في فنيدق، ثمّ في القبيّات وعكار العتيقة، وفي بلدة مشمش يوجد بالإضافة للعزر المعروف، نوعٌ آخر يسمّى السنديان شبه العزريّ Quercus cerris subsp. pseudocerris وهي تمتاز بورقها الطويل.
عبد المجيد
أمّا المرشد الجبلي والناشط البيئي مؤسس مجموعة اكتشف عكار عبدالقادر عبد المجيد يتحدث بشغف وإعجاب كبيرين عن الغابة فيقول :"تعتبر غابة العزر في أعالي جبال بلدة فنيدق العكارية من الغابات النادرة والمميزة والجميلة على صعيد الشرق الأوسط لما تحتويه من أشجار نادرة الوجود، وتبلغ مساحتها أكثر من مليون متر مربع.
ولغابة العذر 4 أشكال مختلفة بحسب الفصل، لأنّها تغيّر ألوانها بحسب الفصول. ففي الخريف يكون لونها ذهبيّاً وأصفرَ، وفي الشتاء تكون عارية وفي الربيع يكون لونها أخضرَ فاتحاً (بيستاش) وفي الصيف اللون الأخضر المعهود.
وهذا التنوّع وهذه الندرة جعلتها مقصداً مهمّاً لمحبّي الطبيعة والاستكشاف ومحبّي المشي والتصوير والتخييم. ونحن كمجموعة "اكتشف عكار" نقوم بتشجيع السياحة البيئية بالطرق السليمة عبر تنظيم رحلات المشي في الطبيعة أو التخييم أو تنظيم الإفطارات في شهر رمضان وعبر إقامة بعض المعارض مثل معرض التفّاح ومعرض المونة بالتعاون مع وزارة الزراعة وبلدية فنيدق.
وأشار عبدالمجيد الى أنّه من أبرز الشخصيات التي سارت على درب غابة العزر سفراء بلجيكا، النمسا ومؤخّراً سفيرة السويد والعشرات من المسؤولين والموظّفين الكبار في المنظّمات الدولية مثل موظفي (USAID و UN و ICRC ... الخ).
فراس الزعبي
فراس الزعبي من مؤسسة SALAR INTERNATIONAL، ومنسّق في اتّحاد بلديات جرد القيطع تحدث عن أبرز النشاطات السياحية في الغابة، ويقول: "أنشأنا في غابة العزر kiosk 18 مقعد و 10 سلّات إعادة تدوير للنفايات، كما أنشأنا سوقاً مفتوحاً للمنتجات الريفية، واستضفنا شخصيات عدّة منها، وزير البيئة وswim team، وهو فريق من ناشطين بيئيين مهتمين بتنظيف البحر.
وتحدّث الزعبي عن سلسلة أنشطة بيئية - ترفيهية، من ضمنها سهرات نار بمشاركة عدد من الناشطين البيئيين وهواة السير في الطبيعة، تمّ خلالها التعريف عن عكار وما تتميز به من مساحات خضراء وسبل حمايتها والاهتمام بها تنشيطا للسياحة البيئية.
واستضفنا وفداً من السفارة السويدية، وجمعية my amazing Lebanon وفريق قرية، ومؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرهم، وسهلنا سبل التواصل ووصلناهم مع جمعية WRF الذين قاموا بإنشاء حمام لذوي الاحتياجات الخاصّة.
وأشار الزعبي الى أنّ هناك مشاريع للصيف المقبل من ضمنها مشروع "أهلا بهالطلة.. أهلا " برعاية وزارة السياحة الذي سيقام على صعيد لبنان وسيشمل عكار ومن ضمنها غابة العزر بالإضافة الى تدريب أصحاب الغرف في القمّوعة وتدريب 25 من طلاب الجامعات على الأمور الخاصة بالسياحة والتسويق.
أنطوان ضاهر
رئيس مجلس البيئة في القبيّات الدكتور أنطوان ضاهر تحدّث قائلاً: "غابة العزر مقصودة بشكل كبير ولاسيّما في السنوات الـ 7 الماضية، وذلك لأسباب عديدة. منها أنها غابة فريدة من نوعها في لبنان والجوار، لا توجد غابة مثيلة لها بهذا التكوين، أشجار متلاصقة، مرتفعة جدّاً وارفة الظلال تشبه الى حدّ بعيد الغابات الأوروبية.
يضيف ضاهر: "شجرة العزر موجودة في كلّ لبنان تقريباً، لكن، وحدها غابة العزر في فنيدق واسعة الأرجاء تقع على مسطّحات عدّة تسمح للزائرين بالتخييم والسير في أرجائها وفوق دروبها".
ويشير ضاهر الى أنّ تلوّن الغابة وتدرّجاتها وفق الفصول الـ 4، خاصّة في الخريف، شكّل عامل جذب لكلّ محبّي الطبيعة في لبنان والعالم.
وأبدى ضاهر أسفه لكون الغابة تعاني من السياحة المفرطة، وقال: "يجب العمل على حماية غابة بهذا النوع وبهذا الجمال، وذلك عبر تحديد أعداد زوّارها، وفرض نظم تصرّفات وسلوكيات وتخفيف الزحمة داخلها، ومنع السيارات والآليات كافّة من دخولها، وضرورة احترام ممراتها، وهذا يؤثّر سلباً على نموّ الغابة وتجدّدها، ويجب ألّا تحوّل هذه الغابة الى حديقة عامّة."
ولفت ضاهر الى أنّ مجلس البيئة الذي ينظم رحلات سير داخل غابات عكار، يعتبر غابة العزر من أولويات الدروب التي من المفترض تعريف الزائرين عليها تشجيعاً للسياحة البيئية، وقال: "اننا نتعاون في هذا السبيل مع البلديات ومع مجموعة درب عكار، وتدبير، واكتشف عكار، ومن المفترض تخفيف الضغط عن هذه الغابة، ضناً بها وبحمايتها، وأن تعود الغابة الى تجدّدها، وإبعاد الضجيج عنها ،وتحسين ظروفها بما يسمح بالإبقاء على كينونتها كغابة، فهي ليست استراحة وليست حديقة عامّة، وليست مكاناً للسيارات والآليات ولحفلات الشوي وللضجيج الذي أبعد الحيوانات البرية والطيور عنها ، انّها غابة فريدة وهكذا يجب أن تبقى بالتعاون مع البلدية كسلطة محلية ومع الجمعيات البيئية".