وسام اسماعيل
تبقى المحافظة على إرث بعلبك التاريخي وإظهار روعتها وعداً لم يتمّ الإيفاء به حتى يومنا هذا. لا يكفيها مقال من كلمات قليلات، لكنّها محاولة لإلقاء الضوء على جانب من هذه المدينة التاريخية السياحية والتحدّث على بعلبك وهياكلها، حيث مكامن الجمال ومطارح التاريخ في بقاع الخير والعطاء، ومهجع الآلهة والأباطرة القدماء.
في قلعة بعلبك وحدها يتجسّد التاريخ بعظمته وجبروته حجراً في مدماك، وعموداً يسند هيكلاً أو يرفع صرحاً، فإذا للزمن آثار أقدام في تلك التخوم والضياع، وإذا للشعوب الأوائل وثائق من حجر وصوّان، تثبت انتماءهم لهذه الربوع، وتؤكّد عظمة وعراقة بلادنا الجميلة.
تنهّد التاريخ في قديم الزمان فكانت بعلبك "هيلوبوليس" أي الشمس لتكرّس المدينة معابد لعبادة الشمس.
"لو زالت هذه الأعمدة عن وجه الأرض لفقد الكون كثيراً من موسيقاه الصادحة فـي عالم الروعة والجمال". بهذه الكلمات وصف الشاعر الفرنسيّ لامرتين هياكل بعلبك، حين زارها للمرة الأولى واقفاً خاشعاً مبهوراً أمام عظمتها.
وعلى مرّ العصور كان العقل البشريّ يربأ بأن ينسب تلك الصروح إلى طاقات البشر، فيوظّف في بنائها الآلهة والأنبياء وعتاة الجن والعفاريت. قيل الكثير ويُقال، ولكن حسبنا أن نعرف عن تلك الهياكل والصروح أنهـا قـد صمدت في وجه الزمن وعناصر الطبيعة نيّفاً وألفي عام لم تستطع الزلازل التي تعاقبت عليها زحزحتها والنيل من ثباتها، من دون أن يغيب ذكرها عن مؤلّفات قدامى المؤرّخين الذين اعتقد رهط منهم بأن إحدى الجنان الأرضية هي في هذا السّهل المحبّ المعطاء.
تنقسم هياكل بعلبك إلى ثلاثة معابد رئيسية مختلفة الضخامة، أوّلها معبد "جوبيتر"، وهو الأكبر، لكنّه الأقلّ حفاظاً على معالمه. بدأ بناؤه في عهد الإمبراطور أغسطس في مطلع القرن الميلادي الأول، ولم يُنجَز إلا بعد نصف قرن في عهد الإمبراطور نيرون. يمتدّ على مساحة طولها 88 متراً، وعرضها 48 متراً، حيث كان قائماً أساساً على 54 عموداً بعلوّ 22 متراً، وقاعدة تبلغ نحو مترين، لم يبق منها اليوم سوى ستة أعمدة لا تزال شاهدة على هذه الضخامة الفريدة في العالم.
لكن معبد "باخوس" لا يزال محافظاً على تفاصيله منذ بنائه خلال القرن الثاني الميلادي، وله درج ضخم ينتهي إلى بوابة مزدانة بحوريّات وآلهة أسطوريّة رائعة، تؤدّي إلى قاعة كبرى مذهلة العلو والمساحة والجدران.
الثالث: معبد "فينوس" المبنيّ في منتصف القرن الثالث، وهو لؤلؤة جميلة من الريادة الرومانية التي اعتمدت الشكل الدائري.
ولمعرفة بعلبك وهياكلها أكثر يُمكن أن تمضي ساعات في داخل المتحف الموجود في داخل نفق القلعة، والذي افتتح في العام 1998. تُعرض فيه مقتنيات أثرية كـ"تماثيل، قطع فسيفساء، توابيت حجرية، وقطع سيراميك"، بالإضافة إلى لوحات تتعلّق بتاريخ موقع بعلبك وحفريّاته. يضمّ المتحف أيضاً بعض الصّور القديمة للمصوّرة الألمانيّة Herman Burckhardt.
إلى جانب القلعة، يستطيع السائح أن يزور الجامع الأموي الرائع الذي تمّ بناؤه في القرن الثامن، ويُمكن مشاهدة معالم أثرية عديدة كـ"حجر الحبلى"، وهو من أروع المعالم الأثرية، ويُصنّف على أنه أكبر حجر منحوت في العالم، ويبلغ وزنه نحو ألف طن تقريباً، وطوله 21 متراً، وعرضه 5 أمتار. وعلى بعد مسافة قليلة، أحياء قديمة تخترقها بساتين.
في محيط القلعة ستجد محالّ تذكّرك بالتراث وببعلبك، وتجعل زيارتك للمدينة خالدة بما تقدّمه من مطبوعات وصور وتحف تراثيّة وحرفيّة، تجسّد واقع المدينة وتاريخها خلال اتجاهك إلى سوق المدينة التجاريّ القديم المتاخم لسورها، وصولاً إلى نبع "راس العين"، وبحيرة البياضة على بعد كلم متر واحد من القلعة؛ وهي منطقة مفعمة بالحركة والحياة. هناك ما يزال المحيط يحتفظ ببعض البنى الأثرية، ومنها بقايا معبد رومانيّ صغير وبعض المداميك التي كانت تشكّل جزءاً من التجهيزات التي أقيمت لضبط مخارج المياه، التي يتدفّق منها نهر دائم الجريان ليخترق المدينة، ويعبر سوقها تحت الأرض، وصولاً إلى البساتين في محيط المدينة بالقرب من قلعتها ليرويها ويحوّلها إلى جنة خضراء.
وإلى جانب برك مياه رأس العين توجد مرجة طبيعيّة هي الأكبر في لبنان، تنتشر على جوانبها، وفي داخلها الأشجار الباسقة على مساحة أكثر من خمسين ألف متر مربّع، وتشكّل المتنفّس الوحيد لأهالي المدينة والمنطقة. وهي دائماً تعجّ بطالبي الراحة والجمال، وتنتشر حولها المطاعم والمقاهي فتشكّل أيضاً عصباً اقتصادياً مهمّاً في المدينة، حيث بإمكان الزائر تذوّق أشهى المأكولات البعلبكية في جو هادئ وجميل، وبأسعار مدروسة، من دون أن يفوته مذاق "الصفيحة البعلبكية" الشهية.
إلى ذلك ازدادت أهمية رأس العين ولمع تألقها بوجود مسجد رأس الامام الحسين في وسطها، ويعرف أيضاً بـ"المسجد المعلق" لوقوعه وسط برك رأس العين ويذكر انه اقيم على انقاض معبد وثني قديم.
كل ما ذكر آنفاً جعل من مدينة بعلبك موقعاً مهماً ليس على الخريطة السياحية ضمن لبنان فقط بل ضمن العالم أجمع وجزء من برامج وكالات السياحة الخارجية. ونظرا لأهمية بعلبك التاريخية اختارتها منظمة الأونيسكو على لائحة التراث العالمي.
وعند مدخل قلعة بعلبك حيث يقع عدد من الأوتيلات والمطاعم والمقاهي صاحب أحدها محمد شومان اكد ان الأسعار السياحية هي الأدنى مع خدمات إضافية وتبلغ كلفة الشخص 10$ لليلة الواحدة.
وككل عام تستعيد معابد قلعة بعلبك الأثرية وهجها التاريخي اليوم مع انطلاق مهرجاناتها الدولية التي تبدأ في 8 تموز وتنتهي في 17 منه.
وحفلة اليوم هي تحية " للموسيقى والأغنيات اللبنانية التراثية" تحييها المطربة اللبنانية سمية البعلبكي، فيما يتولى إدارة الأوركسترا المايسترو لبنان البعلبكي.
وتطل في 10 تموز فرقة أدونيس التي تعنى بموسيقى البوب- روك .
في 11 تموز مع عازف الغيتار والمؤلف الإسباني خوسيه كيفيدو بوليتا في حفلة عنوانها "كواتيكو تريو"، يرافقه فيها غناء رافاييل دياوتريرا وعلى الإيقاع كارلوس مورينو.
ويُختتم الحدث في 17 من الشهر الجاري بحفلة أُعدت خصيصاً لمهرجانات بعلبك، بتوقيع عازف البيانو اللبناني – الفرنسي سيمون غريشي الذي كان وراء مبادرة إقامة حفلة لدعم مهرجانات بعلبك في معهد العالم العربي في باريس في كانون الأول المنصرم. وترافق غريشي الراقصة الإيرانية رنا غرغاني والمؤلف الموسيقي الإيطالي جاكوبو بابوني شيلينجي.
تزامناً مع مهرجانات بعلبك الدولية، ستشهد بعلبك مهرجان التسوق والسياحة الذي اطلقته بلدية بعلبك في ٢٥ من حزيران الفائت بالتعاون مع تجار المدينة ويستمر لغاية ٢٥ تموز الجاري.