طوني فرنجية
طرابلس مدينة تلفت الأنظار بعراقتها وأصالتها وهي شاهدة على حضارات عدّة تعاقبت عليها إبّان الاحتلالات أو الفتوحات أو مراحل الانتداب، وهي ربما المدينة الوحيدة التي لا تزال ساحاتها وحاراتها تنبض بالحياة وتشكل شاهداً حياً على العراقة والأصالة.
فأسواق البازركان والعطارين والنجارين والنحاسين والكندرجية والصاغة والسمك والقمح وسوق حراج بمتاجرها الصغيرة وطرقاتها الضيقة والمتعرّجة تستقطب أهل المدينة والجوار لشراء حاجياتهم، وهي تشكّل مقصدًا للسواح من عرب وأجانب، الذين يتبضّعون من الإنتاج الحرفي فخاراً أم نحاساً أم تنجيداً وخياطة أم عطورات وتوابل وبهارات طبعت على مدى الزمن طرابلس بطعمها وجودتها وحسن صناعتها.
كذلك فإنّ الحمامات والخانات لم تتوقف عن العمل من خان الصابون الى خان العسكر وخان التماثيلي وخان الخياطين وحمام النوري وحمام العبد والحمام الجديد التي يرتادها السكان والسواح يومياً، وقد تتحوّل بعض الخانات الى مكان تقام فيه السهرات الرمضانية أو الأعراس والاحتفالات نظراً لاتّساعها وجمال بنيانها وروعة مكانها.
أمّا الجوامع والكنائس التي يعود بناؤها الى قرون غابرة وابرزها الجامع المنصوري الكبير وجامع طينال وجامع الاويسية وجامع سيدي عبد الواحد وجامع البرطاسي وكنائس شارع الكنائس، أبرزها كاتدرائية مار جاورجيوس للروم الارثوذكس وكنيستا مار مارون ومار مخايل للموارنة وقلاية الروم الكاثوليك في الزاهرية، كلها لا تزال تستقبل المؤمنين بأعداد غفيرة وتشهد لاستمرارية التعايش والإلفة بين الأهالي رغم ما مرّ على المدينة من حروب وثورات وقتال شوارع وجولات عنف.
ولا يمكن نسيان القلاع والأبراج الصليبية وأبرزها قلعة طرابلس التي هي قلعة ريمون دي سان جيل وبرج السباع المملوكي في الميناء، إضافة الى الآثار العثمانية ولاسيّما المدرسية منها .
وطرابلس هي قبلة السواح الذين يغتنمون وجودهم فيها للتسوّق من حرفياتها وهي لا تزال تحفظ الكثير ،كما وتذوّق الحلويات العربية وأشهرها العثملية والكنافة وحلاوة الجبن والبوظة العربية التي لا تزال "تدقّ في أجران كبيرة".
ويتمتّع السواح أيضاً بنزهات بحرية تقودهم الى الجزر المقابلة للشاطئ الطرابلسي وأبرزها "الارانب ورامكين وسنني"، هذا كله دون نسيان التكية المولوية التي تعد من ابرز الآثار العثمانية والتي رممتها الدولة التركية وأعادتها الى رونقها السابق.
وفي طرابلس الأزقة والادراج التي تربط المناطق العلوية مثل القبة وابي سمراء بالمناطق السفلية أي الاسواق الداخلية في المدينة بعيدا عن زحمة السير وعجقة الطرقات.
وتشتهر طرابلس بالحدائق العامة وأبرزها المانشية التي تتفيأ ظلال برج ساعة التل الكائنة وسط المدينة، والتي تشكّل متنفّساً بيئياً للأهالي وسكان الجوار، يتمتعون بمنظرها ويتنشّقون هواءها المنعش ويلتقطون فيها أجمل الصور .
كما وللمقاهي دور بارز في الحياة الطرابلسية من "قهوة التل العليا" الى مقهى "فهيم" وقهوة موسى، ناهيك عن المقاهي الجديدة والمطاعم الحديثة في منطقة الضم والفرز.
ولا ننسى المعرض الدولي ومساحاته الشاسعة الواسعة وفندقه الشهير "كواليتي إن"، والمعرض تحفة معمارية لا مثيل لها .
والى طرابلس الميناء التي كانت تعرف سابقاً "بالأسكلة"، واليوم باتت مدينة الموج والأفق، وهي واجهة طرابلس البحرية، فيها المرفأ ومرفأ الصيادين ومحطة سكة الحديد والكورنيش البحري الذي يشكّل المتنفّس الأساس للشماليين وأبناء البلد.
كلّ هذه المقوّمات تجعل من طرابلس المدينة الثانية في لبنان، بل مقصد السواح والزوار والرواد الذين تغصّ بهم شوارعها يومياً وهي تستقبلهم بالترحاب والمحبة.