لحظات عصيبة عاشها اللبنانيون في تركيا ساعة وقوع الزلزال المدمّر وبعدها، ومنهم من قضى تحت الأنقاض، فيما البعض الآخر نجا بأعجوبة من الكارثة الطبيعية التي حصدت أكثر من 18 ألف قتيل، وهو رقم غير نهائيّ بعد، ومرجّح للارتفاع.
وكسواهم من المتواجدين في المناطق التي ضربها الزلزال، فإنّ هؤلاء خسروا منازلهم وممتلكاتهم، وباتوا في الشارع في ظروف استثنائية وصعبة على المقاييس كافة. ما من سقف يأويهم، ولا من يُداوي جروحهم، أو يعتني بهم ويعالج تداعيات ما حصل.
وفي حين بذلت السفارة اللبنانية في تركيا جهداً لمواكبة تفاصيل اللبنانيين المتواجدين هناك، كان ثمّة إهمال وتقصير من قبل وزارة الخارجية اللبنانية، التي كانت "آخر من يعلم" بوجود ضحايا لبنانيين تحت الأنقاض، وآخرين مشرّدين في الطرقات، لسبب قالت انهم غير مسجلين في بيانات السفارة اللبنانية في أنقرة.
من استطاع الهروب قبل وقوع الكارثة، أو الخروج من تحت الأنقاض سليماً، توجّه كغيره إلى الأماكن العامة التي تجمّع فيها الناس، حيث كان من المفترض أن تتولّى إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) العناية بهم، إلّا أنّ عدداً منهم شكا التقصير، وهو أمر قد يفسره حجم الكارثة الهائل.
ساعات من الرعب دون مقوّمات عيش
فرح أبو السل، لبنانية من طرابلس تقطن في غازي عنتاب التركية منذ 4 سنوات، وهي طالبة جامعية، تروي لـ"النهار" اللحظات الأولى بعد الزلزال، وتقول إنّها كانت في منزلها وحدها، حين بدأ المبنى يهتزّ بطريقة مخيفة، فتوجّهت نحو الشارع برفقة جيرانها، من ثمّ قصدوا حديقةً عامةً مكشوفة ولا أبنية قريبة منها، خوفاً من الانهيارات التي قد تحصل على إثر الهزّات الارتداديّة التي استمرّت بوتيرة مرتفعة حتى ظهر الإثنين، وفق ما تقول.
وتُشير إلى أنّ "الخوف منع الجميع من العودة إلى المنازل، فتمّ اللجوء إلى صالة أعراس في المنطقة لكنّها بطبيعة الحال لم تكن مجهّزة بأيّ شيء، قدّمها صاحبها كمأوى للذين يتواجدون في الشوارع، بمبادرة شخصية منه، فتواجد في المكان أكثر من 2000 شخص، علماً أنّ أيّاً من الجهات الرسمية التركية لم يكن موجوداً ولا حضر لمتابعة ما يحصل".
وتكشف أبو السل أنّها أمضت ساعات الإثنين، دون أيّ مقوّمات العيش، باستثناء حبّات قليلة من التمر وقنّينة مياه، ومبلغ متواضع، برفقة قطّتها التي تمكّنت من أخذها معها قبل حصول الكارثة، واستمرّ الحال على ما هو عليه حتى صباح يوم الثلثاء، في وقت تواصلت فيه الهزات الأرضية الارتدادية.
(فرح إلى جانب قطتها)
وهنا، تُشير أبو السل إلى تقصير تركي، وتلفت إلى أنّ "آفاد (إدارة الكوارث والطوارئ التركية) لم تزر الموقع (صالة الأعراس) طيلة ذلك الوقت، والسلطات التركية لم توفد أحداً إلى المكان لمتابعة أحوال المتواجدين".
كيف كانت الاستجابة اللبنانية؟
أمّا على صعيد الاستجابة اللبنانية، فتقول إنّها حاولت التواصل مع السفارة اللبنانية في تركيا، لكن دون ردّ، لتعود وتنشر تغريدة عبر "تويتر" تشكو فيها من غياب الردّ، ليتواصل معها القنصل اللبنانيّ في تركيا مباشرةً، وسام بطرس، وتابع تفاصيل ما يجري، إلى جانب السفير اللبناني في تركيا الذي كان متعاوناً، ومحاولاً طمأنة الجميع، حسب فرح.
حاولت السفارة اللبنانيّة إجلاء مواطنيها إلى خارج المناطق المنكوبة، لكنّها فشلت لأنّ الملفّ برمّته كان بيد "آفاد"، فلم يبدر أيّ تقصير من السفارة أو القنصلية في هذا السياق، بل من السلطات التركية، وفق فرح، التي عادت وتوجّهت إلى اسطنبول بعد تأمين تذكرة سفر، بعد رحلة معاناة شاقّة من مكان تواجدها إلى المطار، حيث عانت التأجيل لساعات طويلة، لأسباب مرتبطة بالزلزال.
وتختم فرح حديثها مشيرة إلى الإرهاق الجسديّ والنفسيّ الذي تعانيه إلى جانب غيرها نتيجة ما حصل، وتلفت إلى أنّها تعاني من عوارض ما بعد الصدمة، لذلك هي في حاجة إلى فترة من الراحة.