لبنانيون وسيّاح من كلّ الأعمار يتوافدون إلى أنفة (قضاء الكورة) مع اقتراب الصيف للتعرف على شواطئها، والتمتع بجمالاتها، والاطلاع على الطريقة التقليدية التي لا تزال إلى اليوم سارية في استخراج الملح اللبناني، الأفضل للطعام، والكبيس، والاستعمالات المتعدّدة، والمعروف "بذهب لبنان الأبيض".
"ملح أنفة طبيعيّ لا تجرفه الجرافات بل نجرفه بأيادينا" كما يقول أصحاب الملاحات: "بأدوات بسيطة جداً؛ رفش خاص لذلك، وبكل نظافة وعناية وشغف. الفرق شاسع بين الجرافة واليد في العمل. ملح البحر يتألف من ملح الطعام وملح مرّ وملح ثقيل، والملح المرّ والثقيل غير صالحَين أو لا يجوز إدخالهما في أيّ نوع من أنواع الصناعات الغذائية؛ لذلك نحن بأيادينا وخبرتنا نتخلّص منهما، ولا نقدم للمستهلك إلا ملح الطعام الصافي. إنّه غير ملوَّث ولا مغشوش، وملح طبيعي من بحر رأس الناطور في ساحل الكورة، أنظف بحر، لأنه خالِ من الردم والعمران والمجارير والنفايات، وكل شواطئه ما زالت طبيعية بفضل الملح. والملاحات حيثما وُجدت على الشاطئ شكّلت حزام أمان للمحافظة عليه، ولحماية البيئة البحرية، وهي تراث حيويّ أصيل في حياة أنفة عبر التاريخ إلى اليوم".
الناشط البيئيّ، ابن المنطقة حافظ جريج، الذي يروّج للملح "الأنفويّ" وينظّم الرحلات إلى الملاحات، ويشرح للزوار والسيّاح أهمية إنتاج الملح اجتماعياً، واقتصادياً، وبيئياً للأهالي والعاملين في هذا القطاع الحيويّ يقول "إن ملاحات أنفة الأثرية هي شبكة ملاحات شاطئيّة واسعة محفورة بالمطارق والأزاميل بهندسة ذكيّة أجراناً وأقنية تُحاكي الطبيعة لاستثمار البحر والصَّخر في إنتاج الملح بالتبخُّر بوساطة حرارة الشّمس من حزيران إلى "التشارين". ازدهرت أنفة بهذا التراث الحيّ، وأضحت عاصمة الملح في لبنان، ففيها "بيت الملح" ورأس الملاليح المجاور لدير الناطور".
الزوار الذين يقصدون المكان "يندهشون لروعته وجماله. مياه صافية، أجران نظيفة، شمس ساطعة، وأكياس على مدّ العين والنظر".
دروب الملح سهلة المسير لأنّها دروب شاطئية لا "طلوع فيها ولا نزول"، ولا تخلو من الجمالات الطبيعيّة المتعدّدة، لا سيّما الأعشاب البحريّة والزهور البريّة والهواء النقيّ الممزوج برائحة البحر.
جريج لفت وزارة السياحة إلى أهميّة أن يكون لهذا الملح وملّاحاته صورة سياحيّة رمزيّة مطبوعة على بطاقات بريديّة أو على إحدى فئات العملة اللبنانية.
فهل تستجيب الوزارات المعنية لأهمية تنمية هذا المرفق الوطني السياحي الاقتصادي والاجتماعي بإعادة الاعتبار إلى الملّاحات الإنتاجيّة والأثرية؟