وسام إسماعيل
مهما ادّعى أحدنا أن في وسعه الإحاطة بأجمل الأماكن السياحيّة والأكثر جمالاً في لبنان، فلا شكّ في أنّه سيُفاجأ عندما يمضي عدّة أيّام في داخل مدينة الهرمل، وتحديداً على ضفاف نهر العاصي، حيث سيكتشف مليّاً ما رسمته ريشة الخالق من إبداع في أرض لبنان.
نهر العاصي هو شريان الحياة الرئيسيّ لمدينة الهرمل والقرى المحيطة بها، ومَعلمٌ من معالم طبيعتها الجميلة. وينتشر على جانبَي النَهر الذي يتغذّى من عدّة ينابيع، وبطول 46 كيلومتراً في داخل الأراضي اللبنانية، مئات المقاهي والفنادق والمسامك، بالنظر إلى أنّ النهر يكتنز أهمّ ثروة سمكيّة في لبنان، وتحديداً سمكة الترويت.
تنفرد شلالات نهر العاصي بجمالها الخاصّ بين غابات كثيفة من أشجار السنديان والشوح المعمّرة على طول ممرّ مائيّ حيويّ يتدفّق بغزارة دائمة، فتشكّل أجواء منعشة تدفعك إلى العودة مرّة أخرى لزيارتها.
وعلى وقع خرير الشلالات الطبيعية المتدفّقة، حيث يُلامسك رذاذها المتطاير، تستطيع أن تتناول أشهى المأكولات الطازجة، وأبرزها سمكة الترويت المشويّة الشهيرة، بأسعار مقبولة، وبتكلفة قليلة، مقارنة بمختلف الأماكن السياحيّة في لبنان. فوجبة سمك كافية مع ما تشتهيه من مقبّلات لا تزيد تكلفتها عن ٣٠٠ ألف ليرة لبنانية.
ولرياضة "الرافتينع" قصّة أخرى في العاصي، حيث المكان مثاليّ لممارسة هذه الرياضة المائية في لبنان، بالإضافة إلى رياضة "الكاياك". ونوادي هذه الرياضات منتشرة للهواة والمتمرّسين ضمن رحلات تحتاج إلى ساعة أو ساعتين على مسافة ٧ كيلومترات تقريباً، يمرّ خلالها الرياضي بـ٤ شلّالات ليعيش لحظات مليئة بالإثارة والمغامرة مع العائلة والأصدقاء، وسط الطبيعة الخلابة.
ولقضاء ليلة كاملة على ضفاف نهر العاصي متعةٌ لا تضاهيها متعة في أيّ مكان سياحيّ آخر، حيث تتوافر شاليهات جاهزة للأفراد والعائلات مع ساحات أعدّت لسهرات النّار والترويقة البلديّة الريفيّة، التي تحفل بأشهى أنواع الأجبان والألبان والحليب الطازج وخبز الصّاج.
تبعد مدينة الهرمل عن بيروت 154 كيلومتراً. يصل الزائر إلى العاصي قبل وصولك إلى مدينة الهرمل، فيدلّك عليه "قاموع الهرمل"، الذي يُشكّل واحداً من أروع المعالم الأثرية في البقاع، ويُعدّ من الكنوز الأثريّة القديمة الفريدة بتصاميمها وشكلها وفكرتها؛ فهو عبارة عن برج مخروطيّ هرميّ مشيّد على قمّة هضبة تطلّ على بلدة الهرمل في محافظة البقاع اللبنانية.
تعدّدت الروايات والأساطير حول بناء هرم الهرمل، إلا أنّ أكثرها شيوعاً هي أنه بُني من قبل إمبراطور رومانيّ، والثانية هي أنّ أحد الملوك الذين حكموا المنطقة كان له ولد وحيد لقي حتفه بعد هجوم خنزير بريّ عليه، فأمر ببناء هذا البرج في نفس المكان الذي قتل فيه ولده تكريماً له، وتخليداً لذكراه. يبلغ طول "القاموع" 26 متراً. وعند اقترابك منه، ستراه مكوّناً من ثلاث طبقات، يعلوها هرم، في قاعدته لوحة منحوته لخنزير بريّ مصاب بثلاثة رماح، وتهاجمه ثلاثة كلاب مفترسة. أمّا الطبقة الأخرى فستراها محاطة من جوانبها بالأعمدة، تزيّنها الرسوم والنّقوش واللوحات التي نحتت فيها مشاهد عديدة لصيد الحيوانات، من دون أن تحتوي رسوماً بشرية. وسترى أيضاً على جدرانها رسوماً وصوراً لبعض الأمراء والملوك.