أكثر الأسواق الميلادية تضجّ بالمنتجات المحلية من غذائية ومونة واكسسوارات وديكورات للمنازل ومنتجات العناية بالشعر والوجه والكتب وغيرها. لكن محبّي المقتنيات القديمة وجمع الأثريات، سيجدون ضالّتهم تحت مظلة واحدة في سوق Le marché aux puces في سن الفيل الذي يقام لمدة خمسة أيام حتى يوم الأحد من هذا الأسبوع.
الدخول إلى هذا المعرض يعود بالزمن إلى الوراء، فهو يضج بالحياة رغم أنّه يعرض مقتنيات قديمة، فهو يعطيها حياة من جديد. فبمجرّد الحنين إلى الماضي وإلى تجارب وذكريات عاشها الأشخاص في طفولتهم هو أمر ذو معنى يُفرح قلوب الكثيرين.
دانيال كيريدجيان، منظِّمة المعرض، وفي حديثها لـ"النهار"، تشرح أنّ المعرض يُقام في نسخته الخامسة هذا العام، لكنّه لا يقتصر على موسم الميلاد فقط إنّما يُقام في أربعة مواسم من العام.
لكن ما يميّز هذا المعرض خلال موسم الأعياد، وفق دانيال، هو أنّ "الهدية التي تُشترى من هنا لا تشبه أي هدية عادية لا لناحية قيمتها الرمزية والمعنوية ولا لناحية قيمتها السوقية، فهي غير موجودة في الأسواق اللبنانية".
تصوير حسام شبارو
إذاً ما علاقة المقتنيات القديمة بالأسواق الميلادية؟ تقول كيريدجيان إنّ "هذا المعرض هو معرض سياحي بيئي ثقافي اجتماعي، فبدلاً من شراء الأغراض الجديدة، يوفّر الزبون بعض الكلفة، وهو سياحي لأنّه يوفّر كمية غنية ومتنوعة من مقتنيات المجتمع اللبناني التي تمثّل أبهى تمثيل تاريخ لبنان وثقافته". إضافة إلى أن العنصر الثقافي من هذا المعرض يلعب دوراً مهماً خصوصاً للجيل الجديد من الأولاد الذي وُلد معاصراً التكنولوجيا الحديثة من الألواح الرقمية ولم يعاصر الأجيال السابقة. ومن خلال هذا المعرض يتعرّف هؤلاء الأولاد ‘إلى تجارب تفاعلية من نوع آخر تدخل فيها جميع الحواس، حيث لا يجمد الشخص أمام شاشة هاتف أو لوحة رقمية، إذ كان لكل غرض ومنتَج في السابق قيمة وأهمية إن من حيث المواد المستخدَمة أو الوقت الذي استغرق انتاج هذه المنتجات أو لناحية محدودية عدد هذه الأغراض، لكونها مصنوعة يدوياً. من هنا، بحسب دانيال، يمكن للزوار إيجاد أغراض لا يجدونها في معارض أخرى، فهي أغراض نادرة تُعيدهم ذكريات الزمن الجميل والحنين إلى الماضي.
معظم المقتنيات في المعرض هي مقتنيات عارضيها الخاصة، إلى جانب الأغراض المشغولة يدوياً، "أي أن كل قطعة في هذا المعرض هي ذات قيمة ومكانة لدى صاحبها".
وبرأي دانيال، هذا المعرض لا يعطي الحياة للمقتنيات القديمة فقط إنّما يعطي الحياة أيضاً للأماكن التي يُقام فيها والتي تُشكّل أماكن فريدة ولها رمزيتها في بيروت، كـ"بيروت هول" سابقاً في سن الفيل والذي أصبح "ريفر بوكس" حالياً.
تصوير حسام شبارو
يضمّ المعرض حوالي 38 عارضاً للمقتنيات القديمة و13 حرفياً يعرضون أعمالهم، وزاوية مؤلَّفة من حوالي 7 أقسام مخصّصة لبيع منتجات المونة والمنتجات الغذائية والمأكولات الطازجة والصاج، ويمتد من 7 حتى 12 كانون الأول.
وعن الإقبال، تقول المنظِّمة إنّه "بيعقّد"، فزوّار المعرض ينتظرونه لأنّهم يعرفون جيداً عمّا يبحثون وما سيجدون بداخله، فهو المكان الأمثل لمحبّي تجميع المقتنيات القديمة.
أحد العارضين الذي يشارك للمرة الأولى في المعرض، يؤكد أنّ بدل الاشتراك في المعرض لم يكن باهظاً، ما دفعه للمشاركة. لكن القدرة الشرائية لشراء هذه المقتنيات في لبنان تراجعت، حتى للقطع الرخيصة. لكن مَن يعرف قيمتها يدرك جيداً أنه يشتريها بسعر أرخص بكثير ممّا كانت عليه قبل الأزمة ومن أسعارها في أوروبا. ويوضح أنّ البضاعة هذه في لبنان، للمرة الأولى في تاريخها تكون أرخص من البضاعة في أوروبا، وهناك اشخاص يحبون إهداء هذا النوع من الهدايا بمناسبة الميلاد، وحركة البيع متوسطة لكن ليس للقطع الكبيرة والباهظة.
أمّا عارض آخر في عقده السابع فيعرض إعلانات حفلات أم كلثوم وأفلام سميرة توفيق ومقتنيات قديمة أثرية، فيؤكّد أنّ أسعار هذه المقتنيات حالياً هي الأرخص في تاريخ لبنان، فما يُعرض حالياً بـ 100 دولار مثلاً، كان يُعرض قبل الازمة بـ 200 أو 300 دولار. ولهذه المقتنيات زبائنها، ويهديها محبّوها إلى بعضهم في الميلاد.
تصوير حسام شبارو
كذلك، عارضة أخرى تبيع أغراض بيت أهلها القديم، وهي كلّ ما كان في خزانة والدتها في جهاز عرسها، وهي بالنسبة إليها قطعاً ثمينة معنوياً ومادياً ورمزياً، وتعود إلى الخمسينيات من القرن الماضي، وتعرضها السيدة في هذا المعرض لمحبّي هذا النوع من الأغراض الذين يعرفون قيمتها.
من جهته، أحد العارضين يجلس بين كومة كبيرة من الهواتف والتلفزيونات والراديوهات والتفاصيل البيروتية واللبنانية القديمة، يوضح أنّ أكثر الناس الذين يشترون هذه الهدايا يهدونها لأنفسهم، فهذه المقتنيات تذكّرهم بطفولتهم ويرغبون باقتنائها للعودة إلى ذاك الزمان. لكن المفاجأة هي برغبة جزء لا يُستهان به من الجيل الصغير باقتناء هذه الأغراض.
أيضاً، تتحدّث شابة تبيع الألبسة النسائية المستعمَلة وليس القديمة. لكن لهذه القطع زبائنها الخاصين. فالفكرة من إعادة تأهيل هذه القطع هي إعطاء حياة أخرى لها قد تستفيد منها طالبات وشابات غير قادرات على شراء الملابس الجديدة. لكن أهم ما في هذه الملابس هو فرادة كل قطعة، فهي ليست مؤلَّفة من مجموعات فكلّ قطعة لا تشبه الأخرى.
تصوير حسام شبارو