جورج يرَق
في عيد المعلم، أتذكر المربّي الراحل بشارة الحدَاد، معلمي مادة اللغة العربية في "تكميلية أبلح الرسمية" على مدى أربع سنوات.
كان مدرّسًا صارمًا ذا مهابة. في ساعة الدرس ما من أحد يجرؤ على فتح فمه، أو على الإتيان بحركة مزعجة.
قلما تقيّد بالمنهاج. في حصة الإملاء، يملي علينا، نحن التلاميذ، نصوصًا لجبران ونعيمة وسعيد عقل والريحاني واليازجيين والبساتنة وآخرين. وفي حصة الاستظهار يأتي إلينا بقصائد طويلة. لا أزال أتذكر أبياتًا عدة من ملحمتي "على بساط الريح" لفوزي معلوف و "عبقر" لشفيق معلوف. وفي حصة القراءة، تقرأ فقرة ثم عليك إعرابها، وإذ تخطىء يكمل الإعراب الجالسُ قربك. هكذا دومًا. الإعراب تحدّ متواصل. لا تعرف متى يتوقف في حصة الإملاء ليسأل أحدنا إعراب كلمة معيّنة.
عدا ذلك، كان حريصًا على النطق السليم للحروف وتاليًا على كتابتها وفق أصول خط الرقعة. وممنوع الخطأ والاستسهال وإلا تنلْ علامة متدنية وتغدو محط اهتمامه إلى أن يستقيم نطقك وخطّك.
ولشدّ ما تباهيتُ عندما جمعتني وإياه المنصة خطيبين في مأتم مهيب ببلدتنا أبلح. وكم تباهى هو بي عندنا لقيت كلمتي استحسانًا وإعجابًا.
عام 1980، كتبت في مجلة "الشعلة" مقالًا عنوانه "معلّمي بشارة الحداد حاكموه". وصل إليه العنوان فحسب دون المضمون بطريق قارىء فهم المقال ذمًّا في حين أنه على العكس تمامًا.
ردّ الاستاذ بشارة في مقال عنوانه "حتى أنت يا بروتس" طُبع على أوراق A4 عُلّقت على واجهة "محلات عبده غاوي" في ساحة البلدة، وعلى واجهات محالَ أخرى.
عندما رجعتُ زائرًا إلى البلدة بعد غياب دام اثني عشر عامًا، وكنت قد غادرتها بعد اختطافي وجورج جبور ونعيم زيدان نحو خمس ساعات، كان هو أول شخص أزوره مطمئنًا عليه وشارحًا له قصة المقال.
بشارة الحداد مُفضل عليّ. هو الذي شجّعني على الخطابة والكتابة، وحبّب إليّ الأدب، شعره ونثره.
الرحمة لروحه.
وتحيّة إلى نجله الصديق المطران إيلي الحداد وإلى كريمته ماروشكا حنّا زميلتي العزيزة في المرحلة الإعدادية.