ليس جديدا القول، أنّ لنقابة المهندسين الموقع الأهم بين النقابات إن من حيث عدد المنتسبين أو حجم موجوداتها المادية، التي تجاوزت في عام 2018 نحو 600 مليون دولار. فالمهن الهندسية في المقاولات والاستشارات تشكل الناتج الأهم للثروة وللدخل الوطنيّ، إذ تتجاوز التحويلات السنوية من الخارج مليارات الدولارات (يراوح الرقم ما بين مليار وست مليارات)، وقد كشف الانهيار الحاصل عمق الأزمة البنيوية التي تعاني منها النقابة على غرار سواها من المؤسسات.
الجديد في الأمر هو النقاش الدائر في الحلقات المغلقة وداخل المجموعات الناشطة حول وظيفة نقابة المهندسين، وماذا يريد المهندسون من نقابتهم، وهل من الجائز اقتصار هذا الدور على حسن إدارة اموال النقابة لمصلحة المهندسين (او للمصالح الزبائنية)، أم أنّ الشأن الأهمّ هو في دورها الوظيفيّ في الشأن المهني الذي يتناول قواعد ممارسة المهنة ودورها في انتظام العمل الهندسي.
وعلى وقع هذا النقاش، تجري في نقابة المهندسين نهار السبت المقبل انتخابات لاختيار 5 أعضاء جدد مكان عدد مماثل من الأعضاء التي انتهت ولايتهم.
عدد المهندسين المنتسبين للنقابة في بيروت نحو الـ 70 الف مهندس، منهم نحو 50 الفاً يحقّ لهم المشاركة في الانتخابات، لكن من المنتظر أن يراوح عدد المشاركين فعلاً ما بين 2500 و5000 مهندس، أي بين 5 و10 في المئة من عدد الذين يحقّ لهم الاقتراع.
يتوزّع المهندسون الناشطون، في هذه الدورة الانتخابية، حزبياً أو مهنّيا على ثلاثة تكتلات رئيسية وهي:
- التكتل الأول ويضمّ الثنائي الشيعي المتحالف مع المستقبل والأحباش والمدعوم من محور الممانعة، وقد ضمّ الى صفوفه حزب "الوطنيين الأحرار"، فتشكلت اللائحة التي سيُعلن عنها قريباً من كلّ من بسّام حسنوسليمان الصبح وحسن دمج، أمّا المرشح الخامس فلم يتم الاتفاق على اسمه بعد، ، ومن المنتظر أن تشكل لائحة غير مكتملة من هذا الفريق خلال الأيام القادمة.
- التكتل الثاني ويضمّ القوى المعارضة لمحور الممانعة والثنائي الشيعي، وعلى رأس هذا الفريق حزب "القوات اللبنانية" وتجمّعات رجال أعمال متضرّرة من تراجع موقع النقابة ومن الالتباس الحاصل حيال وظيفتها، وتغييبها عن دورها المهنيّ والوطنيّ.
- أمّا التكتل الثالث الذي أطلق عليه تسمية "مصمّمون"، فهو يمثل المجموعات التغييرية وقوى المجتمع المدني من خارج الاصطفافات الحزبية والطائفية. يخوض هذا التكتل المستقل المواجهة لرئاسة الفرع الثاني عبر المهندسة المعمارية هاله يونس والمهندس روي داغر لعضوية الهيئة العامة. يركز هذا التكتل حملته على مواجهة حال التردّي التي يعاني منها المهندسون المهنيون، والاستشاريون منهمخصوصاً، وشعاره العمل لاستعادة المهندسين المهنيين نقابتهم من مغتصبي قرارها ودورها الرياديّ في التجهيز العمرانيّ.
- من جهتها، تقاطع مجموعة "لنا النقابة المستقلة" على صعيد الترشيح، فـ"لسنا مشاركين ونترك القرار للمهندس لاختيار المهندس الكفوء والمهني الذي يعمل بتفان لمصلحة النقابة والوطن فقط وليس لانتمائه السياسي"، وأوردت في بيان لها أنه "من واجبنا المهني محاربة الفساد في نقابتنا وتطهيرها عبر الاطاحة بكل مجلس النقابة والدعوة الى انتخابات عامة يصار بنتيجتها الى تغيير جميع الاعضاء والنقيب ونائب النقيب ليكونوا فريق عمل محايد متجانس من ذوي الرؤية البعيدة المدى يتمتعون بالمهنية العالية وبنظافة الكف والشفافية ويعملون فقط لمصلحة النقابة والوطن والمهندس اولا".
وأضافت "أما أن مجلس النقابة قد قام بالقرعة وأطاح بخمسة أعضاء منه، فاننا نؤكد قبول التحدي ونعد الزميلات والزملاء باننا مستمرون وندعو كل المهندسين الشرفاء الى الاستعداد لخوض المعركة المفصلية علماً منّا بان لا شيء مستحيل بالرغم من ان التغيير صعب في هذه المرحلة انما علينا المثابرة والاستعداد لانتخابات النقيب واعضاء مجلس النقابة الجديد السنة القادمة".
يشارك الحزب الشيوعي في هذه الانتخابات من دون ترشيح حزبيين في سعي منه لاستنهاض قواعده في المناطق، ولاستعادة دورها الريادي الجامع لأصحاب المصالح من قوى الإنتاج من العمال والبورجوازية الوطنية، وسوف يختار المرشّحين الأجدر لتمثيل النقابة مهنيّاً ووطنيّاً في سعيه للتماهي مع القوى الاجتماعية الساعية للتغيير.
أمّا "التيار الوطني الحر"، فقد ترك لقواعده حرية الاختيار مع الإصرار على المشاركة خارج إشكاليات الخيارات الطائفية. ويعتبر التيار أنّ باستطاعته حسم المعركة لصالح أيّ من التكتلات المشار إليها لو أراد، ولكنّه فضّل ممارسة الخيار الديمقراطيّ من دون تدخّل دوائر القرار الحزبية.
تبقى نتائج المواجهة بين الرأيين مرتبطة بعدد المشاركين في الانتخابات، وهل أنّه سيقتصر على الحزبيين أم سيتجاوزهم الى الفاعليات الهندسية التي اقصيت في السابق من دائرة التأثير.