طلاب خلال تقديمهم الامتحانات الرسمية (أرشيفية، حسام شبارو).
ماجد جابر
شكّل انجاز امتحانات الشهادة المتوسطة بعد انقطاع لسنتين متتاليتين نجاحاً تربوياً وادارياً بنظر الكثيرين، خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المعلمون، ومع المطالبات الدائمة لإلغاء هذه الشهادة بحجة عدم جدواها، وتخلي غالبية الدول عن السير بها. فالنتائج التي صدرت، بينت ارقاماً طبيعية على مستوى المحافظات، شبيهة بسابقاتها في ما يخص النسب المئونة للناجحين، مع فارق أن معدل النجاح المطلوب أصبح 90 علامة بدلاً من 140 نتيجة اعتماد مواد اختيارية هذه السنة، وقد بلغ عدد المرشحين 60255 مرشحاً، اشترك منهم 59276، ونجح 46989، أي ما نسبته 79,27%.
الاطلاع على النتائج التفصيلية، من خلال ملف الإكسل Excell الذي تم تسربيه، المتضمن نتيجة 54968 تلميذاً مشتركاً من اصل 59276 في 6 محافظات (باستثناء نتائج 4308 تلامذة مشتركين في محافظة بعلبك – الهرمل لعدم وجودها في الملف) وتفريغ النتائج في برنامج الرزم الإحصائية SPSS، لتحليلها في شكل علمي ودقيق، نجد حجم الفارق بين نتائج المدارس الرسمية ونتائج المدارس الخاصة (تم استثناء نتائج المدارس الرسمية القليلة المخصصة للتلامذة السوريين، وتلامذة الاونروا والطلبات الحرة من هذا التحليل)، وذلك في محاولة لقراءة تأثير الظروف التي أحاطت بالتعليم على تحصيل التلامذة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث نلمس واقعاً أن نتائج التعليم الرسمي في الشهادة المتوسطة متأخرة في شكل لافت عن نتائج التعليم الخاص، على عكس نتائج التعليم الرسمي الثانوي الذي حافظ على صورته، ولولا علامات الاستلحاق التي منحت (9 علامات)، وتدارك وزارة التربية لعدم السير بإضافة العلامات المدرسية الى المجموع، لكانت المعدلات أكثر تدنّياً.
يظهر التحليل الاحصائي للنتائج، ان تلامذة التعليم الرسمي في المحافظات الست، حققوا من دون استلحاق نسبة نجاح 59,3% ومعدل علامات 96,29، مقابل نسبة نجاح 86,2% ومعدل علامات 122,11 للتعليم الخاص. ومع إعطاء علامات الاستلحاق، ارتفعت نسبة النجاح لتلامذة التعليم الرسمي الى69,5 %، أي بزيادة 10,2%، ووصلت الى 90,3% لتلامذة المدارس الخاصة، أي بزيادة 4,1 %.
الغوص في النتائج التفصيلية للمحافظات، نلمس أكثر فأكثر حجم التفاوت اللافت بين نتائج تلامذة المدرسة الرسمية مقارنة مع نتائج المدرسة الخاصة. فنجد مثلاً ان تلامذة التعليم الرسمي في محافظة بيروت حققوا من دون استلحاق نسبة نجاح 51,8% ومعدل علامات 92,5، مقابل نسبة نجاح 91,1% ومعدل علامات 128,32 للتعليم الخاص، ومع إعطاء الاستلحاق، ارتفعت نسبة النجاح لتلامذة التعليم الرسمي الى 62,5% ووصلت الى 94,2% لتلامذة المدارس الخاصة. أما في بقية المحافظات، فنجد أن النتائج، من دون الاستلحاق كانت على الشكل التالي: الشمال (57,3% رسمي، 84,1% خاص)، الجنوب (62,7% رسمي، 86,6% خاص)، جبل لبنان (63,4% رسمي، 85,9% خاص)، النبطية (58,6%، 88,3% خاص)، والبقاع (56,7% رسمي، 85,6 % خاص).
أما معدّل علامات التلامذة، من دون الاستلحاق، فكان أكثر تبايناً وتوزعت على الشكل التالي: بيروت (92,5 رسمي، 128.32 خاص)، الشمال (93,72 رسمي، 118,2 خاص)، الجنوب (99,83 رسمي، 123 خاص)، جبل لبنان (99,28 رسمي، 122,2 خاص)، النبطية (96,18 رسمي، 124 خاص)، البقاع (95,4 رسمي، 120,18 خاص).
على مستوى المواد، (النسب حسب عدد المشتركين في المادة)، فكانت المعدلات ونسب النجاح لكلا القطاعين في مجموع المحافظات الست على الشكل التالي: رياضيات (رسمي: 26,11، 55,7 %، خاص: 36,51، %83,9)، لغة أجنبية (رسمي: 13,26 ،27,5 %، خاص: 19,38، 65,2 %)، اللغة العربية (رسمي: 24,57، 64,8 %، خاص: 26,83 ، 78,6 %)، فيزياء (رسمي: 16,01 ، 69,5 % ، خاص : 20,52، 89,7 %)، كيمياء (رسمي: 14,26، 61,7 %، خاص : 18,78، 87,3 %)، طبيعيات (رسمي: 10.67 ، 36 %، خاص : 15,46، 72,3 %)، تاريخ (رسمي: 20,96،92,4 %، خاص 22,27، 95,3 %)، جغرافيا (رسمي: 13,26، 53,2 %، خاص: 14,94،68,4 %) ، تربية (رسمي: 12,58، 49,3 %، خاص: 14,16، 65,5 %).
تظهر نتائج المواد التفاوت الواضح بين معدلات ونسب الناجح بين القطاعين، باستثناء مادة التاريخ التي تعتمد على الحفظ، عكس المواد الأخرى التي تتطلب عمليات فكرية كالتحليل والتطبيق. كما يتبين أن معدل ونسب النجاح في مادتي التربية الوطنية والطبيعيات عند تلامذة الرسمي كانت أقل من معدل النجاح المطلوب.
على مستوى الدرجات، نجد أنه من بين 17920 تلميذاً رسمياً، نال 171 تلميذاً درجة امتياز (معدل 18 واكثر)، من دون أي يتمكن أي تلميذ من الوصول الى معدل 19 حيث بلغ اعلى معدل 18,889 ولمرة واحدة فقط. في المقابل، نجد أنه بين 32629 مشتركاً من التعليم الخاص، حقق 874 تلميذاً درجة امتياز، من بينهم 21 تلميذاً نالوا معدل 19 وأكثر، حيث بلغ أكبر معدل 19,444 .
نتائج تلامذة التعليم الرسمي في الشهادة المتوسطة، تعكس بوضوح ما حذرنا منه مراراً وتكراراُ من ضرورة تدارك الفاقد التعليمي وتوفير ظروف تعليمية داعمة ومستقرة للتلامذة خصوصاً لدى هذه الفئة العمرية التي تمر بأهم مرحلة تكوين فكري. النتائج أكدت عدم جهوزية التلامذة لخوض الاستحقاق مقارنةً بزملائهم في التعليم الخاص، رغم تقليص المنهاج واعتماد المواد الاختيارية، وفي ظل تبسيط كبير للأسئلة، واجراءات المراقبة والتصحيح. فالنتائج تعكس مدى تأثر قطاع التعليم الرسمي بالظروف الاقتصادية الصعبة وتداعيات اخفاق التعليم عن بعد، وانعكاس ذلك على تحصيل التلامذة بشكل كبير، حيث أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة للمدارس والمعلمين، والاضطرار الى الانقطاع عن التعليم بسبب الإضرابات وأزمة وباء كورونا، وتدني دافعية العمل نتيجة الإحباط المستمر انعكس سلباً على انتظام العملية التعليمية وتحقيق الأهداف المرجوة منها، وعلى ميكانيزم التفكير (تحليل – تطبيق ...) لدى المتعلمين في المستوى المطلوب، حيث لم يتم تعويض الأهداف وتصحيحها بما يضمن تحققها عند التلامذة لاستئناف تعلميهم في شكل طبيعي في الصف التاسع. لذلك ثمة أسئلة تطرح من قبل المهتمين بالشأن التربوي، هل كان من المنطق والعدالة أن يخضع تلامذة المدارس الرسمية والمدارس الخاصة إلى معيار أو مقياس تقييمي واحد في ظل فجوة تعليمية كبيرة بين الطرفين؟ ما الجدوى من هذه الامتحانات؟ وهل كان الإصرار على السير بها مقصوداً من اجل اظهار نجاعة وتفوق للتعليم الخاص في وجه مشكلات التعليم الأساسي الرسمي وعدم استعداده الكافي لخوض الاستحقاق؟
أمام هذه النتائج، والتي أتت رغم جهود كبيرة مبذولة من التلامذة ومعلمي التعليم الرسمي في ظل ما يعانونه من صعوبات، ومع ارتفاع عدد التلامذة المسجلين في المدرسة الصيفية البالغ 80 الف تلميذ والذين يعانون من فاقد تعليمي كبير جداً، وتوقع نزوح عدد كبير من تلامذة المدارس الخاصة الى المدارس الرسمية في ضوء ارتفاع الأقساط في شكل كبير، ومن أجل حماية المدرسة الرسمية، بات لزاماً على المسؤولين عن قطاع التربية، لا سيما وزارة التربية ولجنة التربية النيابية، اتخاذ كل التدابير الممكنة لحماية هذه المدرسة من الانهيار، واتخاذ الإجراءات العملية اللازمة لإنقاذها بدلاً من الاكتفاء بتوصيف مشكلاتها.