ميشال حلاق
"وادي عودين طنجرة الضغط التي انفجرت"... عام على كارثة الحرائق المدمّرة في عكار
قدّم الناشط والباحث البيئي، وأحد مؤسّسي جمعية "درب عكار"، خالد طالب قراءة علميّة هي الأولى بعد عام على الحريق الكارثيّ والمدمّر الذي ضرب غابات القبيات، وامتدّ بسرعة قياسيّة إلى غابات "بيت جعفر" و"أكروم"، وبشكل خاصّ إلى "وادي عودين" في بلدة "عندقت"، التي نُكبت ببيئتها، وخسرت بسرعة خياليّة ما يزيد عن الـ8 كيلومترات مربّعة من غاباتها الصنوبريّة البريّة؛ وذلك تحت عنوان "وادي عودين، طنجرة الضغط التي انفجرت."
وجاء في القراءة - الدراسة :
"قبل نحو عام، اندلع واحد من أضخم الحرائق التي شهدها لبنان خلال آخر 100 سنة. لم تكن الخسائر التي تخطّت الـ1700 هكتار هي وحدها التي أثارت التساؤلات، إنّما سرعة تمدّد النار وحجم ألسنة اللهب، التي تخطّت الـ100 متر في الارتفاع في مشهد غير مألوف في لبنان، ولا يكاد يكون مألوفاً على مستوى العالم.
وبعد مرور كلّ هذا الوقت لم يجب أحدٌ عن كيفية تمدّد الحريق بهذا الشكل، ولا عن كيفية مجابهة حريق مماثل لو عاد وتكرّر".
وتابع طالب: "اليوم، أقدّم لكم شرحاً مفصّلاً عمّا حدث خاصّة في وادي عودين - عندقت الذي كان المتضرّر الأكبر من الحريق، وفقد حوالَي 8 كلم مربّعة من غاباته.
بداية، فإن الحريق تمدّد من القطلبة في القبيات باتجاه وادي عودين، وكانت الجهة الشرقية للوادي الأكثر تضرّراً لعدّة أسباب، أهمّها:
- الوقود المتوافر للنار ونوعيّته
تُعدّ غابة وادي عودين من أهمّ غابات الصنوبر البروتي في لبنان، والمعروف عن الصنوبر أنه من أسرع الوقود المتوافر للنيران اشتعالاً لأسباب عديدة (شكل الأوراق والمساحة بينها، الأمر الذي يسمح للأوكسجين بالتسرّب بحريّة، توافر المادة الصّمغيّة، انخفاض الرطوبة في أوراق الصنوبر اليابسة على الأرض، كميّة الوقود الهائلة المتمثلة بأعداد كبيرة جداً من الأشجار المعمرة...
- الطقس
لعب الطقس حينها دوراً مسرّعاً في اشتعال النار، فسرعة الرياح تخطّت حينها الـ40 كلم في السّاعة، ومع انخفاض نسبة الرطوبة كان انتشار الحريق كارثيّاً جداً بمعدل يتخطّى الـ350م/س وحتى أكثر.
- الطوبوغرافيا
قد تكون طوبوغرافيا وادي عودين هي الأكثر مثاليّة لأسوأ سيناريوهات الحرائق في لبنان، فالوادي محصور بين منحدرين بزاوية انحدار حادّة جداً. والنّار التي كانت بطيئة عند النزول من القطلبة صارت أسرع بمراحل عند صعودها على الجهة الشرقية بسبب هذا الانحدار.
- الرياح المحلية (الشوشة)
كان الاعتقاد السائد أن الشوشة في وادي عودين (وهي نوع من الرياح المحلية) ناتجة من تسرّب الهواء الرطب من جهة سوريا. ولكن الحقيقة أن هذه الرياح هي جافة في الأساس، وهي عند هبوطها تمتصّ الرطوبة الصّاعدة من الوادي. ولهذه الرياح الجافّة أسماء في العديد من الدول الأوروبية مثل رياح فونFöhn، أو رياح ميسترال. لهذه الرياح أثر كبير في تمدّد الحرائق وخروجها عن السيطرة، فهي عند هبوطها تساهم في تخفيف رطوبة الوقود وتجفيفه وفي جعله أكثر قابليّة للاحتراق، فضلاً عن الاضطرابات التي تحدثها على سفح المنحدر، ممّا يخلق ردود فعل غير متوقّعة للنار.
- الحزام الحراري Thermal beltفي الوادي (طنجرة الضغط المخفيّة)
تسخن الغازات وترتفع بفعل الحرارة، وعندما تحاول الارتفاع تعمل الرياح التي تهبّ من أعلى الوادي على احتجازها، فترتفع حرارة الجوّ ممّا يخفّض نسبة الرطوبة؛ ومع عدم قدرة الرياح الهابطة على المقاومة أكثر يأخذ الحريق سلوكاً انفجارياً مدمّراً كلّ ما في طريقه. وزاد الأمر سوءاً بسبب عدم وجود تفرّعات في وادي عودين بإمكانها تشتيت الرياح كما الحال في "وادي جهنم"، الذي واجه حرائق ضخمة، لكنها لم تنتشر بنفس الشكل لهذا السبب".
وخلص طالب إلى القول: "يظهر من كلّ الشرح أعلاه أن عوامل الكارثة كلها اجتمعت لتشكّل واحداً من أعتى الحرائق التي واجهها لبنان، والأمر قد يتكرّر مجدّداً إن لم تتمّ السيطرة على أيّ حريق في الوادي خلال الدقائق الأولى من اندلاعه، لا بل يجب أن يُقسم الوادي إلى أجزاء ووحدات مع فتح ممرّات للمشاة وحتّى الآليات عند الضرورة. ويبقى الاستعداد الجيّد والرّصد المبكر لأيّ حريق أهمّ أسباب النجاح في تجنّب الكارثة. حمى الله أهلنا في عندقت وعكار من كلّ شرّ، على أمل أن نكون قد استقينا العِبر من كلّ ما حدث ويحدث".