لم يتسنَّ لابنة الـ21 عاماً أن تحقّق أحلامها كما كانت تتمنّى. لم يتسنَّ لها أن تسبق الوقت هرباً من الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان، حزمت آية سقلاوي حقيبتها وغادرت إلى تركيا لتكون محطّتها الأوّلية قبل السفر إلى أوروبا.
لم يكن الوطن يتّسع لأحلامها، كانت تريد أن تبدأ حياة جديدة، فغادرت في العام 2019 إلى تركيا مع زوجها السوريّ، ولكنّها لم تظنّ يوماً أنّها ستكون ضحية كارثة طبيعية ألمّت بالآلاف.
من دير قانون رأس العين في الجنوب إلى تركيا، استقرّت آية مع زوجها في انطاكيا بعد أن تعذّر حلمها في السفر إلى أوروبا كما كانا يخطّطان. لم تكن تريد سوى حياة كريمة، ضاقت بها الحياة في لبنان الذي يغرق بأزمته الاقتصادية والمعيشية، وفي 6 شباط ضيّق الموت حياتها وخطفها من حضن ابنتها وزوجها.
لم يصمد جسد آية. غدرها الموت فجأة كما آلاف الأشخاص الذين كانوا نياماً قبل أن يستيقظوا على الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا. بقيت تحلم وحدها فيما الحياة تُستكمل للبحث عن المفقودين تحت ركام الأبنية المدمّرة، بقيت جامدة فيما عمليات الإنقاذ تواصل شقّ طريقها بصعوبة.
يصعب على شقيقها مصطفى أن يستوعب هذه الكارثة، يقول لـ"النهار": "فقدنا الاتّصال بها نتيجة انقطاع الإرسال في إنطاكيا، إحدى المناطق المنكوبة، لم نتمكّن من التواصل معها، ومع ذلك كنّا نأمل أن نجدها كما هي حال كثيرين. إلّا أنّ الموت كان أسرع من كلّ التمنيات، وجاء الاتصال ليكشف وفاة شقيقتي، فيما نجا زوجها وابنتها الصغيرة كريستيا، ابنة السنة والشهر".
كانت ثواني الزلزال كفيلة في إنهاء حياة آية، لم يحمها المنزل الذي تقطنه وهو طابق أرضيّ من أضرار الزلزال. برأي شقيقها "خلص عمرها، أن تموت هي وتنجو ابنتها وزوجها فهذا يعني أنّ عمرها خلص، ولا اعتراض على حكمة الله".
آية من بين آلاف الضحايا الذين لم تُكتب لهم النجاة، كانت الضربة قاضية بالنسبة إليهم، وخلّفت وراءها أحزاناً ويتماً وحرماناً.
لم يُهملها الموت، كان خاطفاً وسريعاً، هي التي كانت تخطّط كما أكّد لنا شقيقها للقدوم إلى لبنان في شهر آذار لتشارك في ذكرى وفاة والدها، ستعود جثّة، "كان حلمها أن تعود إلينا، لكنّ الظروف حرمتنا جميعنا من البقاء سويّاً، إلّا أنّ ما جرى أنّها "عاشت غريبة وماتت غريبة"، وفق تعبير الشقيق.
قاسية هي الحياة، تطفئ حيوات وتضيء أخرى، وهذا ما جرى مع ابنة آية، كريستيا، التي أصبحت يتيمة الأم. تحاول العائلة اليوم احتضانها، ويوضح شقيقها مصطفى أننا "نحاول التواصل مع السفير لقدومها كإجراء استثنائيّ لمرّة واحدة، لإبعاد الطفلة عن كلّ هذه الفوضى والتأثيرات السلبية. ولقد سافر شقيقي إلى تركيا للاهتمام بالموضوع بعد معرفة مصير شقيقتي الحزين.
ويشير إلى أنّ "السفارة اللبنانية في تركيا تتواصل معنا بشكل دائم، فساعدتنا في إنهاء كلّ الأوراق اللازمة، إلّا أنّ المشكلة في محدودية الإمكانيات. ونتواصل مع المعنيين لمتابعة نقل جثمانها إلى لبنان، ولقد نجحنا في نقلها من إنطاكيا إلى أضنا، ومن المفروض أن تصل بعدها إلى إسطنبول قبل نقلها إلى لبنان".
تحاول السفارة اللبنانية جاهدة مساعدة العائلات هناك، والكشف عن مصير المفقودين الذين يبلغ عددهم التقريبي نحو 45 لبنانياً، وفق ما أكّده السفير اللبناني في تركيا غسان المعلّم لـ"النهار". حتى الساعة هناك 3 جثامين مؤكّدة للبنانيين تمّ التبليغ عنها رسمياً، في حين أنّ الأشخاص المفقود معهم التواصل هم في حدود الـ 45 لبنانياً، ونتواصل مع عائلاتهم.
ويشير المعلّم إلى أنّ "الهزات التي تُسجّلها المنطقة تمنع فرق الإنقاذ من مواصلة عمليات الإنقاذ بشكل متواصل، وهذا ما جرى في الأمس مع أحد طواقم الإنقاذ، حيث تبلّغوا إنذاراً بإخلاء المكان خوفاً من انفجار سدّ مائيّ بعد الهزّة التي حصلت في الأمس، ما تسبّب في تأخير البحث".
في حين أكّد الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد الخير لـ"النهار" أنّه "بإيعاز من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سنساعد كلّ عائلة لبنانية تطلب المساعدة لنقل جثمان عزيزها، ولم نوفّر جهداً لتأمين نقله إلى لبنان. ولقد تسلّم الجانب اللبنانيّ 3 جثث عائدة إلى الدكتور وسام الأسعد وابنته وسيّدة من آل الأسعد، وفي انتظار أن نتسلّم جثث لبنانيين آخرين، وسنساعد كلّ من يحتاج إلى مساعدة في هذه الظروف الأليمة".