طوني فرنجيه
تعتبر بلدة انفه الكورانية منجم الذهب الأبيض في لبنان وموطن الملاحات التقليدية منذ قرون عديدة، حيث كانت الملاحات تغطي مساحة نحو مليون متر مربع من شاطئها قبل أن تنحسر مساحتها لتصل اليوم إلى أقل من 200 ألف متر، وهي مهدّدة باجتياح المنتجعات السياحية لشواطئ البلدة ومشاريع أخرى يسعى البعض لتنفيذها مكان الملاحات، ضاربين بعرض الحائط الفائدة الاقتصادية والاجتماعية والسياحية لهذه الملاحات التي تمتد في التاريخ إلى أيام الفينيقيين.
الشاطئ في هذه المنطقة ينفرد بخصائص بيئية نادرة ومميزة. فـ"بحر رأس الناطور ما زال سليم البيئة والتنوع البيولوجي، وهو أنظف ماء بحر في لبنان، يعطي أفضل ملح بحري في العالم لا سيما المعروف بـ"زهرة الملح"، ما جعل أنفه عاصمة الملح اللبناني بامتياز، خصوصاً وأن زهرة الملح شهيرة بنقاوتها وتركيبتها الطبيعية عالية الجودة".
ويقول الناشط البيئي حافظ جريج وهو مؤسّس درب الملح في لبنان: "في الخريطة السياحية اللبنانية مناطق محظوظة ذات جذب سياحي حيوي، حيث كل منطقة منها مشهورة بنوع حرفة لازمتها عبر التاريخ، فأصبحت تراثاً أصيلاً في حياتها العملية الاقتصادية والثقافية والفنية، ومنها ملح البحر والملاحات الموجودة في أنفه على ساحل الكورة والتي تعتبر "إم الملح وبيّه عبر التاريخ إلى اليوم".. يكفي أن نذكر أن ملح أنفه ورد ذكره في كتاب مؤرخ ألماني قال ان الفينيقيين كانوا يحتاجون كثيراً إلى الملح في حفظ الطعام لبحّارة السفن ولصناعة الصباغ الأرجواني... كما أن الشواطئ البحرية الصخرية كانت مصدر هذا الملح لا سيما في عدلون الجنوب وفي أنفه الشمال حيث ما زالت تنتجه الى اليوم".
ويضيف جريج: "ثم ورد ذكر الملح والملاحات في المراجع الرومانية ثم العثمانية حتى الانتداب، حيث قامت ثورة الملح في البترون وأنفه ضد منعهما من العمل في الملاحات. ثم منذ الاستقلال سمحت الدولة اللبنانية بالعودة الى البحر لإنتاج الملح ونظمت عمل الملاحات فازدهرت ازدهاراً حيوياً لا سيما في ساحل الكورة، المنطقة الأكثر إنتاجاً للملح اللبناني".
هذا من الناحية الأثرية والتراثية الحٍرفية، حيث الملاحات تشكل جذباً سياحياً خاصاً ببلدة أنفه. وأما من الناحية البيئية فللملاحات وجه سياحي مميز، فهي مصنفة مناطق رطبة ذات نظام بيئي خاص هو ركيزة للسياحة البيئية إلى جانب الركيزة التاريخية.
تشكل ملاحات أنفه مصدر رزق للكثيرين من أهالي البلدة وبلدات الجوار. فعدا عن إنتاج الملح، هي مصدر جذب للسياح خاصة وأن الملاحات الأثرية تشكل محور دراسة لعلماء الآثار والباحثين البيئيين. وقد تم إنتاج العديد من الأفلام القصيرة عنها التي شوهدت في أنحاء عدة من العالم ما جعلها مقصداً للسياح الأجانب، وهذا ما أسهم في حركة واسعة في البلدة ساعدت الأهالي على التطوير والتحديث ومواكبة تطور مراحل الحياة اجتماعياً واقتصادياً.